المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم

أبو العباس القرطبي - ضياء الدين أحمد بن عمر القرطبي

صفحة جزء
4458 (45) باب فضائل خديجة بنت خويلد

[ 2340 ] عن علي قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " خير نسائها مريم بنت عمران، وخير نسائها خديجة بنت خويلد".

رواه البخاري (3815)، ومسلم (2430)، والترمذي (3877).
[ ص: 313 ] (45) ومن باب: فضائل خديجة بنت خويلد بن أسد بن عبد العزى بن قصي القرشية الأسدية - رضي الله عنها -

كانت تدعى في الجاهلية: الطاهرة، تزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل النبوة ثيبا بعد زوجين: أبي هالة، هند بن النباش التميمي ، فولدت له هندا ، وعتيق بن عائذ المخزومي ، ثم تزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي بنت أربعين سنة، وأقامت معه أربعا وعشرين سنة، وتوفيت وهي بنت أربع وستين سنة وستة أشهر، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ تزوج خديجة ابن إحدى وعشرين سنة. وقيل: ابن خمس وعشرين سنة وهو الأكثر. وقيل: ابن ثلاثين. وأجمع أهل النقل : أنها ولدت له أربع بنات كلهن أدركن الإسلام، وأسلمن، وهاجرن: زينب ، وفاطمة ، ورقية ، وأم كلثوم . وأجمعوا أنها ولدت له ابنا يسمى: القاسم ، وبه كان يكنى، واختلفوا هل ولدت له ذكرا غير القاسم ؟ فقيل: لم تلد له ذكرا غيره. وقيل: ولدت له ثلاثة ذكور: عبد الله ، والطيب، والطاهر . وقيل: بل ولدت له: عبد الله ، والطيب والطاهر اسمان له. والخلاف في ذلك كثير، والله تعالى أعلم.

ومات القاسم بمكة صغيرا. قيل: إنه بلغ إلى أن مشى، وقيل: لم يعش إلا أياما يسيرة، ولم يكن للنبي صلى الله عليه وسلم ولد من غير خديجة إلا إبراهيم ، ولدته مارية القبطية بالمدينة ، وبها توفي وهو رضيع، ومات بنات النبي صلى الله عليه وسلم كلهن قبل موته إلا فاطمة ، فإنها توفيت بعده بستة أشهر.

وكانت خديجة - رضي الله عنها - امرأة شريفة عاقلة فاضلة حازمة ذات [ ص: 314 ] مال، وقد تقدم أنها أول من آمن بالنبي صلى الله عليه وسلم، وأنه صلى الله عليه وسلم نبئ يوم الإثنين فصلت آخر ذلك اليوم. وكانت عونا للنبي صلى الله عليه وسلم على حاله كله، وردءا له تثبته على أمره، وتصدقه فيما يقوله، وتصبره على ما يلقى من قومه من الأذى والتكذيب، وسلم عليها جبريل عليه السلام وبشرها بالجنة.

وروي من طرق صحيحة أنه صلى الله عليه وسلم قال فيما رواه عنه أبو هريرة رضي الله عنه: " خير نساء العالمين أربع: مريم بنت عمران ، وآسية ابنة مزاحم امرأة فرعون، وخديجة بنت خويلد ، وفاطمة - رضي الله عنهن - ".

ومن حديث ابن عباس - رضي الله عنهما - عن النبي صلى الله عليه وسلم: " أفضل نساء أهل الجنة: خديجة بنت خويلد ، وفاطمة بنت محمد ، ومريم بنت عمران ، وآسية بنت مزاحم امرأة فرعون ".

وفي طريق آخر عنه: " سيدة نساء أهل الجنة بعد مريم : فاطمة وخديجة ". وكان النبي صلى الله عليه وسلم يحبها ويقول: " رزقت حبها ". ولم يتزوج عليها إلى أن ماتت. قيل: كانت وفاتها قبل مهاجر النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة بسبع سنين. وقيل: بخمس سنين. وقيل: بأربع. وقيل: بثلاث، وهو أصحها، وأشهرها - إن شاء الله تعالى - وتوفيت هي وأبو طالب - عم رسول الله صلى الله عليه وسلم في سنة واحدة. قيل: كان بينهما ثلاثة أيام، وتوفيت في رمضان، ودفنت بالحجون.

و (قوله: " خير نسائها: مريم ابنة عمران ") هذا الضمير عائد على غير مذكور، لكنه تفسره الحال والمشاهدة، يعني به: الدنيا، وفي رواية: وأشار وكيع [ ص: 315 ] إلى السماء والأرض - يريد الدنيا - كأنه يفسر ذلك الضمير، فكأنه قال: خير نساء الدنيا: مريم بنت عمران . وهذا نحو حديث ابن عباس المتقدم، الذي قال فيه: " خير نساء العالمين: مريم ". ويشهد لهذه الأحاديث في تفضيل مريم : قول الله تعالى حكاية عن قول الملائكة لها: إن الله اصطفاك وطهرك واصطفاك على نساء العالمين [آل عمران: 42].

فظاهر القرآن والأحاديث يقتضي: أن مريم أفضل من جميع نساء العالم ، من حواء إلى آخر امرأة تقوم عليها الساعة، ويعتضد هذا الظاهر: بأنها صديقة ونبية بلغتها الملائكة الوحي عن الله تعالى بالتكليف، والإخبار، والبشارة، وغير ذلك، كما بلغته سائر الأنبياء، فهي إذا نبية، وهذا أولى من قول من قال: إنها غير نبية، وإذا ثبت ذلك، ولم يسمع في الصحيح أن في النساء نبية غيرها فهي أفضل من كل النساء الأولين والآخرين، إذ النبي أفضل من الولي بالإجماع، وعلى هذا فهي أفضل مطلقا، ثم بعدها في الفضيلة فاطمة ، ثم خديجة ، ثم آسية ، وكذلك رواه موسى بن عقبة عن كريب عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " سيدة نساء العالمين: مريم ، وفاطمة ، ثم خديجة ، ثم آسية " وهذا حديث حسن، رافع لإشكال هذه الأحاديث، فأما من يرى: أن مريم صديقة وليست بنبية فلهم في تأويل هذه الأحاديث طريقان:

أحدهما: أن معناها أن كل واحدة من أولئك النساء الأربع خير عالم زمانها، وسيدة وقتها.

وثانيهما: أن هؤلاء النسوة الأربع هن أفضل نساء العالم، وإن كن في [ ص: 316 ] أنفسهن على مزايا متفاوتة، ورتب متفاضلة، وما ذكرناه: أوضح وأسلم. والله أعلم.

التالي السابق


الخدمات العلمية