المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم

أبو العباس القرطبي - ضياء الدين أحمد بن عمر القرطبي

صفحة جزء
4468 (46) باب فضائل عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم ومريم بنت عمران وآسية امرأة فرعون

[ 2346 ] عن عائشة أنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أريتك في المنام ثلاث ليال جاءني بك الملك في سرقة من حرير فيقول: هذه امرأتك فأكشف عن وجهك، فإذا أنت هي، فأقول: إن يك من عند الله يمضه".

رواه البخاري (3895)، ومسلم (2438)، والترمذي (3875).
[ ص: 320 ] (46) ومن باب فضائل عائشة ابنة أبي بكر الصديق - رضي الله عنهما -

تكنى: بأم عبد الله - ابن الزبير ، وهو ابن أختها: أسماء - أباح لها النبي صلى الله عليه وسلم أن تكتني به. تزوجها النبي صلى الله عليه وسلم بمكة بعد موت خديجة ، وقبل الهجرة بثلاث سنين، وهو أولى ما قيل في ذلك، وهي بنت ست سنين. وابتنى بها بالمدينة ، وهي بنت تسع سنين. وقال ابن شهاب : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم تزوج بها في شوال قبل الهجرة بثلاث سنين، وأعرس بها في المدينة في شوال على رأس ثمانية عشر شهرا من مهاجره إلى المدينة ، وقد روي عنها أنها قالت: تزوجني رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا بنت ست، وبنى بي وأنا بنت تسع، وقبض عني، وأنا بنت ثماني عشرة.

وتوفيت سنة ثمان وخمسين ليلة الثلاثاء لسبع عشرة خلت من رمضان، وأمرت أن تدفن ليلا، فدفنت بعد الوتر بالبقيع ، وصلى عليها أبو هريرة رضي الله عنه. ونزل في قبرها خمسة: عبد الله وعروة ابنا الزبير ، والقاسم ومحمد ابنا محمد بن أبي بكر ، وعبد الله بن عبد الرحمن بن أبي بكر ، وكانت فاضلة، عالمة، كاملة. قال مسروق : رأيت مشيخة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم الأكابر يسألونها عن الفرائض، وقال عطاء : كانت عائشة أفقه الناس، وأحسن الناس رأيا في العامة، وقال عروة : ما رأيت أحدا أعلم بفقه، ولا طب، ولا شعر من عائشة ، وقال أبو الزناد : ما رأيت أحدا أروى لشعر من عروة ، فقيل له: ما أرواك يا أبا عبد الله ! قال: وما [ ص: 321 ] روايتي في رواية عائشة ؟ ! ما كان ينزل بها شيء إلا أنشدت فيه شعرا. قال الزهري : لو جمع علم عائشة إلى علم أزواج النبي صلى الله عليه وسلم وعلم جميع النساء لكان علم عائشة أفضل. وجملة ما روت عن النبي صلى الله عليه وسلم ألفا حديث، ومائتا حديث، وعشرة أحاديث. أخرج منها في الصحيحين ثلاثمائة إلا ثلاثة أحاديث.

و (قوله: " جاءني بك الملك في سرقة من حرير، فيقول: هذه امرأتك "): السرقة - بفتح الراء -: واحدة السرق، وهي شقق الحرير البيض. وقيل: الجيد من الحرير. وقال أبو عبيد : وأحسنها فارسيه، وأصلها سره، وهو: الجيد. وأنشد غير أبي عبيد للعجاج:


ونسجت لوامع الحرور سبائبا كسرق الحرير

والسبائب - بالهمز والباء -: هي ما رق من الثياب والخمر، ونحوها. قال المهلب : السرقة: كالكلة والبرقع، والأول: هو المعروف، وفيه دليل على أن للرؤيا ملكا يمثل الصور في النوم، كما قد حكيناه عن بعض العلماء.

و (قوله: " إن يك من عند الله يمضه ") ظاهره: الشك في صحة هذه الرؤيا، فإن كان هذا منه صلى الله عليه وسلم قبل النبوة، فلا إشكال فيه؛ لأن حكمه حكم البشر، وأما إن كان بعد النبوة فهو مشكل، إذ رؤيا الأنبياء وحي كما تقدم، والوحي لا يشك فيه، وقد انفصل عن هذا: بأن قيل: إن شكه لم يكن في صحة أصل الرؤيا، وإن ذلك من الله، ولكن في كون هذه الرؤيا على ظاهرها، فلا تحتاج إلى تعبير، أو في كونها امرأته في الدنيا، أو في الآخرة. وقيل: لم يكن عنده شك في ذلك، بل: [ ص: 322 ] محققا له، لكنه أتى به على صورة الشك، وهو غير مراد، كما قال الشاعر:


أيا ظبية الوعساء بين حلاحل     وبين النقا آنت أم أم سالم ؟

وهذا نوع من أنواع البلاغة معروف عند أهلها يسمى: تجاهل العارف، وقد سمي مزج الشك باليقين، ونحو منه قوله تعالى: فإن كنت في شك مما أنزلنا إليك فاسأل الذين يقرءون الكتاب من قبلك [يونس: 94] وقوله تعالى: وإن أدري لعله فتنة لكم ومتاع إلى حين ، [الأنبياء: 111] فإنه - صلى الله عليه وسلم - لم يشك في شيء من ذلك، لكن أتى به على التقدير لا التحقيق.

و (قوله: " فإذا هي أنت ") أي: إنه رآها في النوم كما رآها في اليقظة، فكان المراد بالرؤيا ظاهرها.

التالي السابق


الخدمات العلمية