المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم

أبو العباس القرطبي - ضياء الدين أحمد بن عمر القرطبي

صفحة جزء
410 (13) باب

المسح على الناصية والعمامة والخمار

[ 209 ] عن المغيرة ; قال : تخلف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وتخلفت معه . فلما قضى حاجته ، قال : أمعك ماء ؟ فأتيته بمطهرة ، فغسل كفيه ووجهه ، ثم ذهب يحسر عن ذراعيه فضاق كم الجبة ، فأخرج يده من تحت الجبة ، وألقى الجبة على منكبيه ، وغسل ذراعيه ، ومسح بناصيته وعلى العمامة وعلى خفيه . ثم ركب وركبت ، فانتهينا إلى القوم وقد قاموا في الصلاة ، يصلي بهم عبد الرحمن بن عوف ، وقد ركع بهم ركعة . فلما أحس بالنبي - صلى الله عليه وسلم - ذهب يتأخر ، فأومأ إليه ، فصلى بهم . فلما سلم قام النبي - صلى الله عليه وسلم - وقمت . فركعنا الركعة التي سبقتنا .

وفي رواية : فأفزع ذلك المسلمين ، فأكثروا التسبيح . فلما قضى النبي - صلى الله عليه وسلم - صلاته ، أقبل عليهم ، ثم قال : أحسنتم - أو قد أصبتم - يغبطهم أن صلوا الصلاة لوقتها .

رواه مسلم ( 274 ) .


(13) ومن باب المسح على الناصية والعمامة والخمار

(قوله في الرواية الأخرى : " ومسح بناصيته وعلى العمامة ") تمسك أبو حنيفة وأشهب من أصحابنا بهذا الحديث على إجزاء مسح الناصية فقط ، ولا حجة لهما فيه ، فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يقتصر عليه ، وأنه مسح على الناصية وعلى [ ص: 533 ] كل العمامة . واحتج به الشافعي وأحمد بن حنبل : على جواز المسح على العمامة ، وأنه يجزئ ، ولا حجة لهما فيه ; لأنه - عليه الصلاة والسلام - لم يقتصر عليها ، بل مسح معها الناصية . واشترط بعض من أجاز المسح على العمامة أن يكون لبسها على طهارة كالخفين ، وزاد بعضهم : أن تكون بحنك ; ليكون في نزعها مشقة .

وذهب مالك وجل أصحابه إلى أن مسح الرأس على حائل لا يجوز ، تمسكا بظاهر قوله تعالى : وامسحوا برءوسكم [ المائدة : 6 ] وهذا يقتضي المباشرة ، كقوله في التيمم : فامسحوا بوجوهكم [ النساء : 43 ] إلا أن يدعو إلى ذلك ضرورة مرض أو تخوف على النفس ، فحينئذ يجوز المسح على الحائل ، كالحال في الجبائر والعصائب .

وحمل بعض أصحابنا هذا الحديث على أنه - عليه الصلاة والسلام - كان به مرض منعه من كشف رأسه كله ، أو توقعه توقعا صحيحا ، وهذه طريقة حسنة ، فإنه تمسك بظاهر الكتاب ، وتأول هذه الواقعة المعينة ، ويتأيد تأويله بأمرين :

أحدهما : أن هذه الواقعة كانت في السفر ، وهو مظنة الأعذار والأمراض .

والثاني : أنه مسح من رأسه الموضع الذي لم يؤلمه أو لم يتوقع فيه شيئا .

ومسحه - عليه الصلاة والسلام - جميع العمامة دليل لمالك : على وجوب عموم الرأس ; إذ قد نزل العمامة عند الضرورة منزلة الرأس ، فمسح جميعها ، كما فعل [ ص: 534 ] في الخفين ، والله تعالى أعلم . ومبادرة أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى تقديم عبد الرحمن عند تأخر النبي - صلى الله عليه وسلم - عن الوقت الذي كان يوقع فيه الصلاة ; فيه دليل على محافظتهم على أول الوقت ، وبه احتج الشافعي وغيره على هذا ، ويحتمل : أن يكونوا يئسوا من وصوله إليهم في الوقت بتقديرهم ، أنه أخذ في طريق أخرى ، أو أنه عرس ، ألا ترى فزعهم حين أدركهم النبي - صلى الله عليه وسلم - يصلون ؟ ! فدل على أنهم لم يبادروا إلى أول الوقت ، ولا أخروها آخره ، والأشبه : أنهم انتظروه إلى الوقت المعهود ; بدليل قوله : " فغبطهم أن صلوا الصلاة لوقتها " ، فلما خرج ذلك الوقت ; تأولوا أنه صلى ، أو أخذ طريقا أخرى ، أو أنه عرس ، فقدموا عبد الرحمن ، وفيه أبواب من الفقه لا تخفى على متأمل .

و " المطهرة " الإناء الذي يتطهر به . و " يحسر عن ذراعيه " يكشف عنهما . و " الناصية " مقدم شعر الرأس .

التالي السابق


الخدمات العلمية