المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم

أبو العباس القرطبي - ضياء الدين أحمد بن عمر القرطبي

صفحة جزء
4493 [ 2364 ] وعنه قال : كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يدخل على أحد من النساء إلا على أزواجه إلا أم سليم ، فإنه كان يدخل عليها، فقيل له في ذلك فقال : " إني أرحمها ، قتل أخوها معي" .

رواه مسلم (2455).


و (قول أنس ـ رضي الله عنه ـ : كان رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ لا يدخل على النساء [ إلا على أزواجه إلا أم سليم ") إنما كان النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ لا يدخل على النساء ] ، عملا بما شرع من المنع من الخلوة بهن ، وليقتدى به في ذلك ، ومخافة أن يقذف الشيطان في قلب أحد من المسلمين شرا فيهلك ، كما قال في حديث صفية المتقدم ، ولئلا يجد المنافقون ، وأهل الزيغ مقالا ، وإنما خص أم سليم بالدخول عندها ، لأنها كانت منه ذات محرم بالرضاع كما تقدم ، وليجبر قلبها من فجعتها بأخيها ، إذ كان [ ص: 363 ] قد قتل معه في بعض حروبه ، وأظنه يوم أحد ، ولما علم النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ من فضلها ، كما دل عليه رؤية النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ إياها في الجنة .

وأم سليم هذه هي : ابنة ملحان بن زيد بن حرام من بني النجار ، وهي : أم أنس بن مالك بن النضر ، كانت أسلمت مع قومها ، فغضب مالك لذلك ، فخرج إلى الشام فهلك هنالك كافرا ، وقيل : قتل ، ثم خطبها بعده أبو طلحة ، وهو على شركه ، فأبت حتى يسلم ، وقالت : لا أريد منه صداقا إلا الإسلام ، فأسلم وتزوجها ، وحسن إسلامه . فولدت له غلاما كان قد أعجب به فمات صغيرا ، ويقال : إنه أبو عمير صاحب النغير ، وكان أبو طلحة غائبا حين مات ، فغطته أم سليم ، فجاء أبو طلحة ، فسأل عنه ، فكتمت موته ، ثم إنها تصنعت له فأصاب منها ، ثم أعلمته بموته ، فشق ذلك عليه ، ثم إنه أتى النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فأخبره ، فدعا لهما النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وقال : " بارك الله لكما في غابر ليلتكما " ، كما ذكر في الأصل ، فبورك لهما بسبب تلك الدعوة ، وولدت له : عبد الله بن أبي طلحة ، وهو والد إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة الفقيه ، وإخوته كانوا عشرة كلهم حمل عنه العلم ، وإسحاق هو شيخ مالك ، واختلف في اسم أم سليم . فقيل : سهلة . وقيل : رملة . وقيل : مليكة . وهي الغميصاء المذكورة في الحديث ، ويقال : الرميصاء ، وقيل : إن بالراء هي : أم حرام أختها ، وخالة أنس .

والغميصاء : مأخوذ من الغمص ، وهو ما سال من قذى العين عند البكاء والمرض ، يقال بالصاد والسين ، والرمص - بالراء - : ما تجمد منه ، قاله يعقوب وغيره .

وكانت أم سليم من عقلاء النساء وفضلائهن ، شهدت مع رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ أحدا وحنينا ، ردت عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أحاديث ، خرج لها في الصحيحين أربعة أحاديث .

التالي السابق


الخدمات العلمية