المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم

أبو العباس القرطبي - ضياء الدين أحمد بن عمر القرطبي

صفحة جزء
4496 (51) باب فضائل أبي طلحة الأنصاري

[ 2367 ] عن أنس قال : مات ابن لأبي طلحة من أم سليم، فقالت لأهلها : لا تحدثوا أبا طلحة بابنه حتى أكون أنا أحدثه، قال : فجاء فقربت إليه عشاء، فأكل وشرب ، قال : ثم تصنعت له أحسن ما كان تصنع قبل ذلك فوقع بها، فلما رأت أنه قد شبع وأصاب منها ، قالت : يا أبا طلحة ، أرأيت لو أن قوما أعاروا عاريتهم أهل بيت، فطلبوا عاريتهم ألهم أن يمنعوهم؟ قال : لا، قالت : فاحتسب ابنك، فغضب، وقال : تركتني حتى تلطخت، ثم أخبرتني بابني، فانطلق حتى أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأخبره بما كان، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " بارك الله لكما في غابر ليلتكما". قال : فحملت، قال : فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر وهي معه، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أتىالمدينة من سفر لا يطرقها طروقا، فدنوا من المدينة فضربها المخاض، فاحتبس عليها أبو طلحة، وانطلق رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال : يقول أبو طلحة : إنك لتعلم يا رب إنه يعجبني أن أخرج مع رسولك إذا خرج، وأدخل معه إذا دخل، وقد احتبست بما ترى، قال : تقول أم سليم : يا أبا طلحة ، ما أجد الذي كنت أجد انطلق، فانطلقنا ، قال : وضربها المخاض حين قدما، فولدت غلاما، فقالت لي أمي : يا أنس ، لا يرضعه أحد حتى تغدو به على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما أصبح احتملته فانطلقت به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : فصادفته ومعه ميسم، فلما رآني قال : "لعل أم سليم ولدت ؟ فقلت : نعم، فوضع الميسم ، قال : وجئت به فوضعته في حجره، قال : ودعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بعجوة من عجوة المدينة فلاكها في فيه حتى ذابت ثم قذفها في في الصبي، فجعل الصبي يتلمظها. قال : فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "انظروا إلى حب الأنصار التمر"، قال : فمسح وجهه وسماه عبد الله .

رواه أحمد ( 3 \ 188 )، والبخاري (6129 و 6203)، ومسلم (2144) في فضائل الصحابة (107)، وأبو داود (4969)، والترمذي (333 و 1989)، وابن ماجه (3720) .


(51) ومن باب : فضائل أبي طلحة ـ رضي الله عنه ـ

هو زيد بن سهل من بني النجار ، شهد المشاهد كلها ، وكان أحد الرماة المذكورين من الصحابة ـ رضي الله عنهم ـ ، وكان من الأبطال ، قتل يوم حنين عشرين ، وأخذ أسلابهم ، وكان أبو طلحة يتطاول بصدره يوم أحد يقي [ ص: 365 ] رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ من النبل ، ويقول : صدري دون صدرك ، ونفسي لنفسك الفداء ، ووجهي لوجهك الوقاء ، وكان ـ صلى الله عليه وسلم ـ يقول : " لصوت أبي طلحة في الجيش خير من مائة رجل " .

واختلف في وقت وفاته فقيل : سنة إحدى وثلاثين . وقيل : سنة أربع وثلاثين ، وصلى عليه عثمان بن عفان ، وروى حماد بن سلمة عن ثابت البناني ، وعلي بن زيد ، عن أنس : أن أبا طلحة سرد الصوم بعد رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ أربعين سنة ، وأنه ركب البحر ، فمات فدفن في جزيرة ، وقال المدائني : مات أبو طلحة سنة إحدى وخمسين ، والله تعالى أعلم بحقيقة ذلك . روى عن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ستة وعشرين حديثا ، أخرج له منها في الصحيحين أربعة أحاديث .

و (قوله : " بارك الله لكما في غابر ليلتكما ") أي : في ماضيها ، وقد تقدم أن غبر من الأضداد . يقال : غبر الشيء : إذا ذهب ، وغبر : إذا بقي . وصنيع أم سليم ، [ ص: 366 ] ووعظها له يدل على كمال عقلها وفضلها وعلمها . وملازمة أبي طلحة للكون مع رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ في سفره وحضره ، ومدخله ومخرجه : دليل على كمال محبته للنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وصدق رغبته في الجهاد ، والخير وتحصيل العلم .

ورفع وجع المخاض - وهو الولادة - عن أم سليم عند دعاء أبي طلحة دليل على كرامات الأولياء ، وإجابة دعواتهم ، وأن أبا طلحة وأم سليم منهم . والطروق : هو المجيء بالليل . والميسم : المكوى الذي توسم به الإبل ، أي : تعلم .

وفي هذا الحديث أحكام واضحة قد تقدم التنبيه على أكثرها .

التالي السابق


الخدمات العلمية