المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم

أبو العباس القرطبي - ضياء الدين أحمد بن عمر القرطبي

صفحة جزء
4507 (54) باب فضائل أبي بن كعب

[ 2375 ] عن أنس قال : جمع القرآن على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعة - كلهم من الأنصار - : معاذ بن جبل ، وأبي بن كعب ، وزيد بن ثابت ، وأبو زيد. قال قتادة : قلت لأنس : من أبو زيد؟ قال : أحد عمومتي.

رواه أحمد ( 3 \ 277 ) ، والبخاري (3810)، ومسلم (2465) (119 و 120)، والترمذي (3794).

[ 2376 ] وعنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي بن كعب : إن الله أمرني أن أقرأ عليك لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب قال : وسماني !؟ قال : نعم. قال : فبكى .

رواه أحمد ( 3 \ 130 ) ، والبخاري (3809)، ومسلم (799) في فضائل الصحابة (122)، والترمذي (3792)، والنسائي في الكبرى (11691).


(54) ومن باب : فضائل أبي بن كعب ـ رضي الله عنه ـ

هو ابن قيس بن عبيد بن زيد بن النجار الخزرجي ـ رضي الله عنه ـ أسلم قديما ، وشهد العقبة الثانية ، وبايع النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فيها ، ثم شهد بدرا ، وجميع المشاهد ، وهو أول من كتب الوحي لرسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وكان من فقهاء الصحابة وقرائهم ـ رضي الله عنهم ـ ، وكفى بذلك أن الله تعالى : أمر نبيه ـ صلى الله عليه وسلم ـ أن يقرأ عليه القرآن ، وقد بينا وجه ذلك فيما تقدم ، وقد تقدم قوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ : " أقرؤكم أبي " . وقال فيه عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ : إنه سيد المسلمين ، وتوفي في خلافة عمر على الأكثر . قيل : سنة تسع عشرة ، وقيل : سنة عشرين ، وقيل : سنة اثنتين وعشرين ، وقد قيل : إنه مات في خلافة عثمان سنة اثنتين وثلاثين . وجملة ما روي عنه عن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ مائة حديث وأربعة وستون حديثا ، أخرج له منها في الصحيحين ثلاثة عشر .

و (قول أنس ـ رضي الله عنه ـ : جمع القرآن على عهد رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ أربعة [ ص: 379 ] من الأنصار : معاذ بن جبل ، وأبي بن كعب ، وزيد بن ثابت ، وأبو زيد . قد استشكل ظاهر هذا الحديث كثير من الناس حتى ظنوا أنه مما يطرق الطعن والقدح في تواتر القرآن ، وهذا إنما نشأ ممن يظن أن لهذا الحديث دليل خطاب ، فإنه لا يتم له ذلك حتى يقول بتخصيص هؤلاء الأربعة بالذكر يدل على أنه لم يجمعه أحد غيرهم ، فمن ينفي القول بدليل الخطاب قد سلم من ذلك ، ومن يقول به فأكثرهم يقول : إن أسماء الأعداد لا دليل خطاب لها ، فإنها تجري مجرى الألقاب ، والألقاب لا دليل خطاب لها باتفاق أئمة أهل الأصول . ولا يلتفت لقول الدقاق في ذلك فإنه واضح الفساد كما بيناه في الأصول ، ولئن سلمنا أن لأسماء الأعداد دليل خطاب ، فدليل الخطاب إنما يصار إليه إذا لم يعارضه منطوق به ، فإنه أضعف وجوه الأدلة عند القائلين به ، وهنا أمران هما أولى منه - بالاتفاق - :

أحدهما : النقل الصحيح .

والثاني : ما يعلم من ضرورة العادة .

فأما النقل فقد ذكر القاضي أبو بكر وغيره جماعة من أصحاب رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ جمعوا القرآن على عهد رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ منهم : الخلفاء الأربعة ، وابن مسعود ، وسالم مولى أبي حذيفة . وقد سمى أبو عبد الله المازري منهم خمسة عشر .

وقد تواترت الأخبار بأنه قتل يوم اليمامة سبعون ممن جمع القرآن ، [ وكان ذلك في سنة وفاة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وأول سني خلافة أبي بكر ـ رضي الله عنه ـ ، وإذا قتل في جيش واحد سبعون ممن جمع القرآن ] فالذين بقوا في ذلك الجيش منهم لم يقتلوا أكثر من أولئك أضعافا . وإذا كان ذلك في جيش واحد ! فانظر كم بقي في مدن الإسلام - إذ ذاك - وفي عساكر أخر من الصحابة ـ رضي الله عنهم - ممن جمع القرآن . فيظهر [ ص: 380 ] من هذا أن الذين جمعوا القرآن على عهد رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ لا يحصيهم أحد ، ولا يضبطهم عدد .

وأما الثاني وهو العادة : وذلك أنها تقتضي أن يجتمع العدد الكثير ، والجم الغفير على حفظه ونقله ، وذلك أن القرآن على نظم عجيب ، وأسلوب غريب ، مخالف لأساليب كلامهم في نثرهم ونظمهم مع ما تضمنه من العلوم والأحكام ، ومعرفة الحلال والحرام ، والقصص والأخبار ، والتبشير والإنذار ، والنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ مع ذلك يشيعه في الناس ، ويشافه به البلغاء الأكياس ، وما كان هذا سبيله فالعادة تقتضي : أن تتوفر الدواعي على حفظ جميعه ، والوقوف على ما تضمنه من أنواع حكمه وبدائعه ، ومحاسن آدابه وشرائعه ، ويحيل انفراد الآحاد بحفظه كما يحيل انفرادهم بنقله ، فقد ظهر من هذه المباحث العجاب أن ذلك الحديث ليس له دليل خطاب ، فإن قيل : فإذا لم يكن له دليل خطاب فلأي شيء خص هؤلاء الأربعة بالذكر دون غيرهم ؟ فالجواب من أوجه :

أحدها : أنه يحتمل أن يكون ذلك لتعلق غرض المتكلم بهم دون غيرهم كالحال في ذكر الألقاب .

وثانيها : لحضور هؤلاء الأربعة في ذهنه دون غيرهم .

وثالثها : أن هؤلاء الأربعة قد اشتهروا بذلك في ذلك الوقت دون غيرهم ممن يحفظ جميعه .

ورابعها : لأن أنسا سمع من هؤلاء الأربعة إخبارهم عن أنفسهم أنهم جمعوا القرآن ، ولم يسمع مثل ذلك من غيرهم ، وكل ذلك محتمل ، والله تعالى أعلم .

[ ص: 381 ] و (قول قتادة : " قلت لأنس : من أبو زيد ؟ قال : أحد عمومتي ") أبو زيد هذا هو سعيد بن عبيد بن النعمان الأوسي من بني عمرو بن عوف ، يعرف بسعد القارئ ، توفي شهيدا بالقادسية سنة خمس عشرة . قال أبو عمر : هذا قول أهل الكوفة ، وخالفهم غيرهم ، فقال أبو زيد : هذا هو قيس بن السكن الخزرجي من بني عدي بن النجار بدري . قال ابن شهاب : قتل أبو زيد قيس بن السكن الخزرجي يوم جسر أبي عبيد على رأس خمس عشرة . وقد تقدم القول على حديث قراءة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ على أبي ـ رضي الله عنه ـ في كتاب الصلاة في باب : ترتيل القراءة وكيفية الأداء .

التالي السابق


الخدمات العلمية