المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم

أبو العباس القرطبي - ضياء الدين أحمد بن عمر القرطبي

صفحة جزء
4525 (59) باب فضائل جرير بن عبد الله رضي الله عنه

[ 2384 ] عن جرير قال : ما حجبني رسول الله صلى الله عليه وسلم منذ أسلمت ، ولا رآني إلا ضحك .

وفي رواية : إلا تبسم في وجهي، ولقد شكوت إليه أني لا أثبت على الخيل ، فضرب بيده في صدري وقال : اللهم ثبته، واجعله هاديا مهديا .


رواه البخاري (4356)، ومسلم (2475) (134 و 135).

[ 2385 ] وعنه قال : قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم : يا جرير ، ألا تريحني من ذي الخلصة؟ - بيت لخثعم كان يدعى كعبة اليمانية ، وفي رواية : الكعبة الشامية . قال : فنفرت في خمسين ومائة فارس، وكنت لا أثبت على الخيل، فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فضرب يده في صدري فقال : اللهم ثبته ، واجعله هاديا مهديا . قال : فانطلق فحرقها بالنار، ثم بعث جرير إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا يبشره يكنى أبا أرطاة - منا - فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له : ما جئتك حتى تركناها كأنها جمل أجرب ! فبرك رسول الله صلى الله عليه وسلم على خيل أحمس ورجالها خمس مرات .

وفي أخرى : قال : فدعا لنا ولأحمس.

رواه مسلم (2476) (137).


(59) ومن باب فضائل جرير بن عبد الله البجلي رضي الله عنه

وبجيلة من ولد أنمار بن نزار بن معد بن عدنان ، واختلف في بجيلة هل هو أب أو أم نسبت القبيلة إليها ؟ وجرير هذا هو سيد بجيلة ، ويكنى أبا عمرو ، وقال له عمر رضي الله عنه : " ما زلت سيدا في الجاهلية والإسلام " ، وقال فيه [ ص: 403 ] رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ حين أقبل وافدا : " يطلع عليكم خير ذي يمن ، كأن على وجهه مسحة ملك " ، فطلع جرير . وكان عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ يقول فيه : " جرير بن عبد الله يوسف هذه الأمة " ، وفيه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إذا أتاكم كريم قوم فأكرموه " .

أسلم قبل موت النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ بأربعين يوما ، نزل جرير الكوفة بعد موت النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ واتخذ بها دارا ، ثم تحول إلى قرقيسيا ومات بها سنة أربع وخمسين ، وقيل : سنة إحدى وخمسين ، وقيل : مات بالسراة في ولاية الضحاك بن قيس على الكوفة لمعاوية . روى عن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ مائة حديث ، أخرج له في الصحيحين خمسة عشر حديثا .

و (قوله : " ما حجبني رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ منذ أسلمت ") يعني أنه ـ صلى الله عليه وسلم ـ ما كان يحتجب منه ، بل بنفس ما يعلم النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ باستئذانه ترك كل ما يكون فيه وأذن له مبادرا لذلك مبالغة في إكرامه ، ولا يفهم من هذا أن جريرا كان يدخل على النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ بيته من غير إذن ، فإن ذلك لا يصح لحرمة بيت النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ولما يقضي ذلك إليه من الاطلاع على ما لا يجوز من عورات البيوت .

و (قوله : " ولا رآني إلا ضحك في وجهي ") ، هذا منه ـ صلى الله عليه وسلم ـ فرح به وبشاشة للقائه وإعجاب برؤيته ، فإنه كان من كملة الرجال خلقا وخلقا .

و (قوله : " وكنت لا أثبت على الخيل ") يعني أنه كان يسقط أو يخاف [ ص: 404 ] السقوط من على ظهورها حالة إجرائها ، فدعا له النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ بأكثر مما طلب ؛ بالثبوت مطلقا وبأن يجعله هاديا لغيره ومهديا في نفسه . فكان كل ذلك ، وظهر عليه جميع ما دعا له به ، وأول ذلك أنه نفر في خمسين ومائة فارس لذي الخلصة فحرقها وعمل فيها عملا لا يعمله خمسة آلاف ، وبعثه رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ لذي الكلاع وذي رعين ، وله المقامات المشهورة .

وذو الخلصة بفتح اللام : بيت بنته خثعم تعظمه وتطوف به وتنحر عنده ، تشبهه ببيت مكة ، وتسميه العرب الكعبة اليمانية والشامية ، وقد كانت العرب فعلت مثل هذا بيوتا كثيرة قد تقدم [ ص: 405 ] ذكرها ، فأمر النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ بهدمها كلها وتحريقها فكان ذلك ، ومحا الله الباطل ، وأحق الحق بكلماته .

التالي السابق


الخدمات العلمية