المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم

أبو العباس القرطبي - ضياء الدين أحمد بن عمر القرطبي

صفحة جزء
4526 (60) باب فضائل عبد الله بن عباس وعبد الله بن عمر

[ 2386 ] عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم أتى الخلاء، فوضعت له وضوءا، فلما خرج قال : "من وضع هذا ؟" قالوا : ابن عباس. قال : " اللهم فقهه" .

رواه أحمد (1 \ 327) ، والبخاري (143) ومسلم (2477).


(60) ومن باب : فضائل عبد الله بن عباس رضي الله عنهما

ابن عبد المطلب بن هاشم ، يكنى أبا العباس ، ولد بالشعب وبنو هاشم محصورون فيه قبل خروجهم منه بيسير ، وذلك قبل الهجرة بثلاث سنين . واختلف في سنه يوم موت النبي صلى الله عليه وسلم ؛ فقيل : عشر سنين ، وقيل : خمس عشرة - رواه سعيد بن جبير عنه ، وقيل : كان ابن ثلاث عشرة سنة ، وقال ابن عباس : إنه كان في حجة الوداع قد ناهز الاحتلام ، ومات عبد الله بالطائف سنة ثمان وستين في أيام ابن الزبير لأنه أخرجه من مكة ، وتوفي ابن عباس وهو ابن سبعين سنة ، وقيل : ابن إحدى وسبعين ، وقيل : ابن أربع وسبعين - وصلى عليه محمد ابن الحنفية ، وقال : اليوم مات رباني هذه الأمة ! وضرب على قبره فسطاطا ، ويروى عن مجاهد عنه أنه قال : رأيت جبريل عند النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ مرتين ، ودعا لي رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ بالحكمة مرتين . وقال ابن مسعود ـ رضي الله عنه ـ فيه : نعم ترجمان القرآن ابن عباس ! وكان عمر ـ رضي الله عنه ـ يقول : فتى الكهول ، لسان سؤول ، وقلب عقول . وقال مسروق : كنت إذا رأيت ابن عباس قلت : أجمل الناس ! وإذا تكلم قلت : أفصح الناس ! وإذا تحدث قلت : أعلم الناس ! وكان يسمى البحر لغزارة علمه ، والحبر لاتساع حفظه ونفوذ فهمه ، وكان عمر ـ رضي الله عنه ـ يقربه ويدنيه لجودة فهمه [ ص: 406 ] وحسن تأتيه ، وجملة ما روى عن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ألف حديث وستمائة وستون ، أخرج له في الصحيحين مائتا حديث وأربعة وثلاثون حديثا .

و (قوله صلى الله عليه وسلم : " اللهم فقهه ") ، هنا انتهى حديث مسلم ، وقال البخاري : " اللهم فقهه في الدين " ، وفي رواية قال : ضمني رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وقال : " اللهم علمه الكتاب " ، قال أبو عمر : وفي بعض الروايات " اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل " . قال : وفي حديث آخر " اللهم بارك فيه وانشر منه ، واجعله من عبادك الصالحين " ، وفي حديث آخر : " اللهم زده علما وفقها " . قال : وكلها حديث صحيح .

قلت : وقد ظهرت عليه بركات هذه الدعوات فاشتهرت علومه وفضائله ، وعمت خيراته وفواضله ، فارتحل طلاب العلم إليه ، وازدحموا عليه ، ورجعوا عند اختلافهم لقوله ، وعولوا على نظره ورأيه . قال يزيد بن الأصم : خرج معاوية حاجا معه ابن عباس، فكان لمعاوية موكب ولابن عباس موكب ممن يطلب العلم . وقال عمرو بن دينار : ما رأيت مجلسا أجمع لكل خير من مجلس ابن عباس ؛ الحلال ، والحرام ، والعربية ، والأنساب ، والشعر . وقال عبيد الله بن عبد الله : ما رأيت أحدا كان أعلم بالسنة ولا أجل رأيا ولا أثقب نظرا من ابن عباس [ ص: 407 ] رضي الله عنه .

ولقد كان عمر ـ رضي الله عنه ـ يعده للمعضلات مع اجتهاد عمر ونظره للمسلمين ، وكان قد عمي في آخر عمره ، فأنشد في ذلك :


إن يأخذ الله من عيني نورهما ففي لساني وقلبي منهما نور     قلبي ذكي وعقلي غير ذي دخل
وفي فمي صارم كالسيف مأثور



وروي أن طائرا أبيض خرج من قبره ، فتأولوه علمه خرج إلى الناس ، ويقال : بل دخل قبره طائر أبيض ، فقيل : إنه بصره في التأويل . وقال أبو الزبير : مات ابن عباس بالطائف ، فجاء طائر أبيض فدخل في نعشه حين حمل ، فما رؤي خارجا منه ! وفضائله أكثر من أن تحصى .

وأما عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما - ويكنى أبا عبد الرحمن - فإنه أسلم صغيرا لم يبلغ الحلم مع أبيه ، وهاجر إلى المدينة قبل أبيه ، وأول مشاهده الخندق ، لم يشهد بدرا ولا أحدا لصغره ؛ فإنه عرض على رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يوم أحد وهو ابن أربع عشرة سنة فلم يجزه ، وأجازه يوم الخندق ، وهذا هو الصحيح إن شاء الله تعالى . وشهد الحديبية ، وبايع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وقيل : إنه أول من بايع ، وكان من أهل العلم والورع ، وكان كثير الاتباع لرسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ شديد التحري والاحتياط والتوقي في فتواه ، وكان لا يتخلف عن السرايا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم كان بعد موته ـ صلى الله عليه وسلم ـ مولعا بالحج ، وكان من أعلم الناس بمناسكه ، وكان قد أشكلت عليه حروب علي لورعه فقعد عنه ، وندم على ذلك حين حضرته الوفاة ، روي عنه من أوجه أنه قال : " ما آسى على شيء فاتني إلا تركي لقتال الفئة الباغية مع علي بن أبي طالب رضي الله عنه " .

وقال جابر بن عبد الله رضي الله عنهما : " ما منا أحد إلا مالت له الدنيا ومال إليها ما خلا عمر .

التالي السابق


الخدمات العلمية