المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم

أبو العباس القرطبي - ضياء الدين أحمد بن عمر القرطبي

صفحة جزء
4539 (63) باب فضائل حسان بن ثابت

[ 2394 ] عن أبي هريرة أن عمر مر بحسان وهو ينشد الشعر في المسجد ، فلحظ إليه، فقال : قد كنت أنشد وفيه من هو خير منك ! ثم التفت إلى أبي هريرة فقال : أنشدك الله، أسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : "أجب عني، اللهم أيده بروح القدس ؟" قال : اللهم نعم .

رواه أحمد ( 5 \ 222 )، والبخاري (3212)، ومسلم (2485) (151) ، والنسائي ( 2 \ 48 ).

[ 2395 ] وعن البراء بن عازب قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لحسان بن ثابت : "اهجهم - أو هاجهم - وجبريل معك" .

رواه أحمد (4 \ 302)، والبخاري (4123)، ومسلم (2486) (153).


[ ص: 417 ] (63) ومن باب : فضائل حسان بن ثابت رضي الله عنه

ابن المنذر بن عمرو بن النجار الأنصاري ، يكنى أبا الوليد ، وقيل أبا عبد الرحمن ، وقيل أبا الحسام . ويقال له : شاعر رسول الله صلى الله عليه وسلم - روي عن عائشة رضي الله عنها أنها وصفت رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فقالت : كان والله كما قال شاعره حسان بن ثابت :


متى يبد في الداجي البهيم جبينه يلح مثل مصباح الدجى المتوقد     فمن كان أو من قد يكون كأحمد
نظام لحق أو نكال لملحد



قال أبو عبيد : فضل حسان الشعراء بثلاث : كان شاعر الأنصار في الجاهلية ، وشاعر النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ في النبوة ، وشاعر اليمن كلها في الإسلام . وقال أيضا : أجمعت العرب على أن أشعر أهل المدر حسان بن ثابت . وقال أبو عبيد وأبو عمرو بن العلاء : حسان أشعر أهل الحضر . وقال الأصمعي : حسان أحد فحول الشعراء ، فقال له أبو حاتم : تأتي له أشعار لينة ! فقال الأصمعي : نسبت له وليست له ، ولا تصح عنه . وروي عنه أنه قال : الشعر نكد يقوى في الشر ويسهل ، فإذا دخل في الخير ضعف ، هذا حسان فحل من فحول الجاهلية ، فلما جاء الإسلام سقط . وقيل لحسان : لان شعرك - أو هرم شعرك - في الإسلام يا أبا الحسام ! فقال : إن الإسلام يحجز عن الكذب ! يعني أن الشعر لا يجوده إلا الإفراط والتزين في الكذب ، والإسلام قد منع ذلك ، فقل ما يجود شعر من يتقي الكذب .

وتوفي حسان قبل [ ص: 418 ] الأربعين في خلافة علي رضي الله عنهما ، وقيل : سنة خمسين ، وقيل : سنة أربع وخمسين - ولم يختلفوا أنه عاش مائة وعشرين سنة ؛ منها ستون في الجاهلية وستون في الإسلام ، وكذلك عاش أبوه وجده ، وأدرك النابغة الذبياني والأعشى وأنشدهما من شعره ، فكلاهما استجاد شعره وقال إنك شاعر .

و (قوله : إن عمر مر بحسان وهو ينشد الشعر في المسجد ، فلحظ إليه ) ؛ أي : أومأ إليه بعينيه أن اسكت ، وهذا يدل على أن عمر رضي الله عنه كان يكره إنشاد الشعر في المسجد ، وكان قد بنى رحبة خارج المسجد وقال : من أراد أن يلغط أو ينشد شعرا فليخرج إلى هذه الرحبة .

وقد اختلف في ذلك ، فمن مانع مطلقا ومن مجيز مطلقا ، والأولى التفصيل ؛ وهو أن ينظر إلى الشعر ، فإن كان مما يقتضي الثناء على الله تعالى أو على رسوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ أو الذب عنهما كما كان شعر حسان أو يتضمن الحض على الخير فهو حسن في المساجد وغيرها ، وما لم يكن كذلك لم يجز ، لأن الشعر في الغالب لا يخلو عن الفواحش والكذب والتزيين بالباطل ، ولو سلم من ذلك فأقل ما فيه اللغو والهذر ، والمساجد منزهة عن ذلك لقوله تعالى : في بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه ، ولقوله صلى الله عليه وسلم : " إن هذه المساجد لا يصلح فيها شيء من كلام الناس ، إنما هي لذكر الله والصلاة وقراءة القرآن " ، وقد تقدم هذا المعنى .

و (قوله - صلى الله عليه وسلم - لحسان " أجب عني ، اللهم أيده بروح القدس ") ، إنما قال [ ص: 419 ] النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ذلك لأن نفرا من قريش كانوا يهجون النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وأصحابه ، منهم : عبد الله بن الزبعرى ، وأبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب ، وعمرو بن العاص ، وضرار بن الخطاب - وقيل لعلي : اهج عنا القوم الذين يهجوننا ! فقال : إن أذن لي رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فعلت ! فأعلم بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن عليا ليس عنده ما يراد من ذلك " ، ثم قال : " ما يمنع القوم الذين نصروا رسول الله أن ينصروه بألسنتهم ؟ " ، فقال حسان : أنا لها ! وأخذ طرف لسانه وقال : والله ما يسرني به مقول ما بين بصرى وصنعاء .

وكان طويل اللسان يضرب بلسانه أرنبة أنفه ، وكان له ناصية يسدلها بين عينيه ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " كيف تهجوهم وأنا منهم ؟ وكيف تهجو أبا سفيان وهو ابن عمي ؟ " ، فقال : والله لأسلنك منهم كما تسل الشعرة من العجين ! فقال : " ائت أبا بكر ؛ فإنه أعلم بأنساب القوم منك " . فكان يمضي لأبي بكر ليقفه على أنسابهم ، وكان يقول : كف عن فلان وفلانة ، واذكر فلانا وفلانة . فجعل حسان يهجوهم ، فلما سمعت قريش شعر حسان قالوا : إن هذا الشعر ما غاب عنه ابن أبي قحافة ! فقال حسان :

[ ص: 420 ]

أبلغ أبا سفيان أن محمدا     هو الغصن ذو الأفنان لا الواحد الوغد
وما لك فيهم محتد يعرفونه     فدونك فالصق مثل ما لصق القرد
وإن سنام المجد في آل هاشم     بنو بنت مخزوم ووالدك العبد
ومن ولدت أبناء زهرة منهم     كرام ولم يقرب عجائزك المجد
ولست كعباس ولا كابن أمه     ولكن لئيم لا يقوم له زند
وإن امرأ كانت سمية أمه     وسمراء مغموز إذا بلغ الجهد
وأنت هجين نيط في آل هاشم     كما نيط خلف الراكب القدح الفرد



الأفنان : الأغصان ، واحدها فنن . والوغد : الدنيء من الرجال ، والمحتد : الأصل . ودونك : ظرف قصد به الإغراء ، والمغرى به محذوف تقديره : فدونك محتدك فالصق به ، والعرب تغري بـ (عليك) و (إليك) و (دونك) . وسنام المجد : أرفعه ، والمجد : الشرف . قال أبو عمر : بنت مخزوم هي فاطمة بنت عمرو بن عابد بن عمران بن مخزوم ، وهي أم أبي طالب وعبد الله والزبير - بني عبد المطلب .

و (قوله : ومن ولدت أبناء زهرة منهم ) ؛ يعني حمزة وصفية ، أمهما هالة ابنة أهيب بن عبد مناف بن زهرة ، والعباس هو ابن عبد المطلب ، وابن أمه : شقيقه ضرار بن عبد المطلب ، أمهما نسيبة امرأة من النمر بن قاسط . وسمية : أم أبي سفيان ، وسمراء : أم أبيه . واللؤم : اسم للبخل ودناءة الأفعال والآباء . والمغموز : المعيب المطعون فيه ، والهجين : من كانت أمه دنية ، والمقرف : من [ ص: 421 ] كان أبوه دنيا . ونيط : ألصق وعلق ، والقدح يعني به قدح الراكب الذي يكون تعليقه بعد إكمال وقر البعير ، لأنه لا يحفل به . ومنه الحديث : " لا تجعلوني كقدح الراكب " .

و (قوله صلى الله عليه وسلم " اللهم أيده بروح القدس ") ، أيده : قوه ، والأيد : القوة ، ومنه قوله تعالى : والسماء بنيناها بأيد [الذاريات: 47] أي : بقوة .

وروح القدس : هو جبريل عليه السلام ، كما قال في الرواية الأخرى : " اهجهم - أو هاجهم - وجبريل معك " ؛ أي : بالإلهام والتذكير والمعونة .

التالي السابق


الخدمات العلمية