المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم

أبو العباس القرطبي - ضياء الدين أحمد بن عمر القرطبي

صفحة جزء
4543 [ 2396 ] وعن مسروق قال : دخلت على عائشة وعندها حسان بن ثابت ينشدها شعرا يشبب بأبيات له ، فقال :


حصان رزان ما تزن بريبة وتصبح غرثى من لحوم الغوافل



فقالت له عائشة : لكنك لست كذلك ! قال مسروق : فقلت لها : لم تأذنين له يدخل عليك وقد قال الله :
والذي تولى كبره منهم له عذاب عظيم ؟ [النور: 11] فقالت : وأي عذاب أشد من العمى ! فقالت : إنه كان ينافح - أو يهاجي - عن رسول الله صلى الله عليه وسلم .


رواه البخاري (4756)، ومسلم (2488).


وقول حسان :


حصان رزان ما تزن بريبة وتصبح غرثى من لحوم الغوافل



حصان : عفيفة ، وقد تقدم القول في وجوه الإحصان . ورزان : كاملة الوقار والعقل . يقال : رزن الرجل رزانة فهو رزين إذا كان وقورا ، وامرأة رزان . وغرثى : من الغرث وهو الجوع ، يقال : رجل غرثان ، وامرأة غرثى ، كعطشان وعطشى . والغوافل جمع تكسير غافلة ، يعني : أنهن غافلات عما رمين به من الفاحشة ، كما قال تعالى : إن الذين يرمون المحصنات الغافلات المؤمنات [النور: 23] ، ويعني حسان بهذا البيت أن عائشة رضي الله عنها في غاية العفة والنزاهة عن أن تزن بريبة ، أي : تتهم بها . ثم وصفها بكمال العقل والوقار والورع المانع لها من أن تتكلم بعرض غافلة ، وشبهها بالغرثى لأن بعض الغوافل [ ص: 422 ] قد كان هو آذاها فما تكلمت فيها ، وهي حمنة بنت جحش ، فكأنها كانت بحيث تنتصر ممن آذاها بأن تقابلها بما يؤذيها ، لكن حجزها عن ذلك دينها وعقلها وورعها .

و (قول عائشة رضي الله عنها لحسان رضي الله عنه : لكنك لست كذلك ) تعني أنه لم يصبح غرثان من لحوم الغوافل ، وظاهر هذا الحديث أن حسان كان ممن تكلم بالإفك ، وقد جاء ذلك نصا في حديث الإفك الطويل الذي يأتي فيه أن الذين تكلموا بالإفك مسطح وحسان وحمنة وعبد الله بن أبي ابن سلول ، غير أنه قد حكى أبو عمر أن عائشة رضي الله عنها قد برأت حسان من الفرية وقالت : إنه لم يقل شيئا ! وقد أنكر حسان أن يكون قد قال من ذلك شيئا في البيت الثاني الذي ذكره متصلا بالبيت المذكور آنفا ، فقال :


فإن كان ما قد قيل عني قلته     فلا رفعت سوطي إلي أناملي



فيحتمل أن يقال : إن حسان يعني أن يكون قال ذلك نصا وتصريحا ، ويكون قد عرض بذلك وأومأ إليه فنسب ذلك إليه ، والله أعلم .

وقد اختلف الناس فيه هل خاض في الإفك أم لا ؟ وهل جلد الحد أم لا ؟ فالله أعلم أي ذلك كان .

و (قول عائشة رضي الله عنها " وأي عذاب أشد من العمى ؟ ) ظاهره يدل [ ص: 423 ] على أن حسان كان ممن تولى كبره ، وهذا بخلاف ما قاله عروة عن عائشة رضي الله عنها : إن الذي تولى كبره هو عبد الله بن أبي ابن سلول ، وأنه هو الذي كان يستوشيه ويجمعه .

التالي السابق


الخدمات العلمية