المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم

أبو العباس القرطبي - ضياء الدين أحمد بن عمر القرطبي

صفحة جزء
4546 (64) باب فضائل أبي هريرة رضي الله عنه

[ 2399 ] عن أبي هريرة قال : كنت أدعو أمي إلى الإسلام وهي مشركة ، فدعوتها يوما فأسمعتني في رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أكره، فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا أبكي ، فقلت : يا رسول الله ، إني كنت أدعو أمي إلى الإسلام فتأبى علي ، فدعوتها اليوم فأسمعتني فيك ما أكره ، فادع الله أن يهدي أم أبي هريرة ! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : اللهم اهد أم أبي هريرة ! فخرجت مستبشرا بدعوة نبي الله صلى الله عليه وسلم، فلما جئت فصرت إلى الباب فإذا هو مجاف، فسمعت أمي خشف قدمي فقالت : مكانك يا أبا هريرة ! وسمعت خضخضة الماء . قال : فاغتسلت، ولبست درعها، وعجلت عن خمارها ففتحت الباب، ثم قالت : يا أبا هريرة ، أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ! قال : فرجعت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأتيته وأنا أبكي من الفرح، قلت : يا رسول الله ، أبشر ! قد استجاب الله دعوتك وهدى أم أبي هريرة - فحمد الله وقال خيرا . قال : قلت : يا رسول الله ، ادع الله أن يحببني أنا وأمي إلى عباده المؤمنين ويحببهم إلينا ! قال : فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : اللهم حبب عبيدك هذا - يعني أبا هريرة - وأمه إلى عبادك المؤمنين وحبب إليهم المؤمنين ! فما خلق مؤمن يسمع بي ولا يراني إلا أحبني .

رواه أحمد (2 \ 320)، ومسلم (2491).


[ ص: 434 ] (64) ومن باب : فضائل أبي هريرة رضي الله عنه

اختلف في اسم أبي هريرة واسم أبيه اختلافا كثيرا ، انتهت أقوال النقلة في ذلك إلى ثمانية عشر قولا ، وأشبه ما فيها أن يقال إنه كان له في الجاهلية اسمان : عبد شمس ، وعبد عمرو - وفي الإسلام : عبد الله ، وعبد الرحمن بن صخر . وقد اشتهر بكنيته حتى كأنه ما له اسم غيرها ، فهي أولى به ، وكني بأبي هريرة لأنه وجد هرة صغيرة فحملها في كمه ، فكني بها وغلب ذلك عليه ، وقيل : إن الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ كناه بذلك عندما رآه يحملها .

أسلم أبو هريرة عام خيبر ، وشهدها مع رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ثم لازمه وواظب عليه رغبة في العلم راضيا بشبع بطنه ، فكانت يده مع يد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكان يدور معه حيثما دار ، فكان يحضر ما لا يحضره غيره ، ثم اتفق له أن حصلت له بركة دعوة النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ في الثوب الذي ضمه إلى [ ص: 435 ] صدره ، فكان يحفظ ما سمعه ولا ينساه ، فلا جرم حفظ له من الحديث عن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ما لم يحفظ لأحد من الصحابة رضي الله عنهم ، وذلك خمسة آلاف حديث وثلاثمائة وأربعة وسبعون حديثا ، أخرج له منها في الصحيحين ستمائة وتسعة أحاديث ، قال البخاري : روى عنه أكثر من ثمانمائة رجل من بين صحابي وتابعي . قال أبو عمر : استعمله عمر على البحرين ثم عزله ، ثم أراده على العمل فأبى عليه ، ولم يزل يسكن المدينة ، وبها كانت وفاته سنة سبع وخمسين ، وقيل : سنة ثمان ، وقيل : سنة تسع ، وقيل : توفي بالعقيق - وصلى عليه الوليد بن عتبة بن أبي سفيان وكان أميرا يومئذ على المدينة ومروان معزول ، وكان رضي الله عنه من علماء الصحابة وفضلائها ناشرا للعلم شديد التواضع والعبادة ، عارفا لنعم الله شاكرا لها ، مجتهدا في العبادة . كان هو وامرأته وخادمه يعتقبون الليل أثلاثا ؛ يصلي هذا ثم يوقظ هذا ، ويصلي هذا ثم يوقظ هذا ، وكان يقول : نشأت يتيما ، وهاجرت مسكينا ، وكنت أجيرا لبسرة بنت غزوان بطعام بطني وعقبة رحلي ، فكنت أخدم إذا نزلوا ، وأحدو إذا ركبوا ، فزوجنيها الله ، فالحمد لله الذي جعل الدين قواما وجعل أبا هريرة إماما .

حديث إسلام أمه ليس فيه شيء يشكل .

التالي السابق


الخدمات العلمية