المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم

أبو العباس القرطبي - ضياء الدين أحمد بن عمر القرطبي

صفحة جزء
4553 (66) باب في فضائل أبي موسى الأشعري والأشعريين

[ 2405 ] عن أبي موسى قال : كنت عند النبي صلى الله عليه وسلم وهو نازل بالجعرانة بين مكة والمدينة ومعه بلال، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم رجل أعرابي فقال : ألا تنجز لي يا محمد ما وعدتني ؟ فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : أبشر ! فقال له الأعرابي : أكثرت علي من أبشر ! فأقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم على أبي موسى وبلال كهيئة الغضبان فقال : إن هذا قد رد البشرى ، فاقبلا أنتما ! فقالا : قبلنا يا رسول الله ! ثم دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بقدح فيه ماء فغسل يديه ووجهه فيه ومج فيه، ثم قال : اشربا منه وأفرغا على وجوهكما ونحوركما ، وأبشرا ! فأخذا القدح ففعلا ما أمرهما به رسول الله صلى الله عليه وسلم، فنادتهما أم سلمة من وراء الستر : أفضلا لأمكما مما في إنائكما ! فأفضلا لها منه طائفة .

رواه البخاري (4328)، ومسلم (2497).


(66) ومن باب فضائل أبي موسى الأشعري رضي الله عنه

واسمه عبد الله بن قيس بن سليم بن حضار - بفتح الحاء المهملة والضاد المعجمة المشددة ، ويقال حضار بكسر الحاء وتخفيف الضاد ، من ولد الأشعر وهو نبت بن أدد ، وقيل : من ولد الأشعر بن سبأ أخي حمير . قال أبو عمر : ذكرت طائفة أن أبا موسى قدم مكة فحالف سعيد بن العاصي ، ثم أسلم بمكة ، ثم هاجر إلى أرض الحبشة ، ثم قدم مع أهل السفينة ورسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ بخيبر . وقال أبو بكر بن عبد الله بن الجهم - وكان علامة نسابة : ليس كذلك ، [ ص: 446 ] ولكنه أسلم قديما بمكة ثم رجع إلى بلاد قومه ، فلم يزل بها حتى قدم هو وناس من الأشعريين على رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فوافق قدومهم قدوم أهل السفينتين - جعفر وأصحابه - من أرض الحبشة ، ووافوا رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ بخيبر . قال أبو عمر : وإنما ذكره ابن إسحاق فيمن هاجر إلى أرض الحبشة لأنه نزل أرضهم في حين إقباله مع سائر قومه ، رمت الريح سفينتهم إلى الحبشة فبقوا فيها ، ثم خرجوا مع جعفر وأصحابه ؛ هؤلاء في سفينة وهؤلاء في سفينة ، فوافوا رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ حين افتتح خيبر ، فقيل : إنه قسم لأهل السفينتين ، وقيل : لم يقسم لهم .

ثم ولى عمر بن الخطاب أبا موسى البصرة إذ عزل عنها المغيرة في وقت الشهادة عليه ، وذلك سنة عشرين ، فافتتح أبو موسى الأهواز ، ولم يزل على البصرة إلى صدر من خلافة عثمان ثم عزله عنها وولاها عبد الله بن عامر بن كرز ، فنزل أبو موسى حينئذ الكوفة وسكنها ، ثم لما دفع أهل الكوفة سعيد بن العاصي ولوا أبا موسى ، وكتبوا إلى عثمان يسألونه أن يوليه فأقره ، فلم يزل على الكوفة حتى قتل عثمان واستخلف علي فعزله عنها . قال أبو عمر : فلم يزل واجدا منها على علي ، ثم كان من أبي موسى بصفين وفي التحكيم ما كان ، وكان متحرفا على علي لأنه عزله ولم يستعمله ، وغلبه أهل اليمن في إرساله في التحكيم فلم يجر لهم ، ثم انقبض أبو موسى إلى مكة ومات بها ، وقيل : مات بالكوفة في داره بجانب المسجد . واختلف في وقت وفاته ؛ فقيل : سنة اثنتين وأربعين ، وقيل : سنة أربع وأربعين ، وقيل : سنة خمسين ، وقيل : سنة اثنتين وخمسين . وكان رضي الله عنه من أحسن الناس صوتا بالقرآن ، ولذلك قال له النبي صلى الله عليه وسلم : " أوتيت مزمارا من مزامير آل داود " ، وسئل علي رضي الله عنه عن موضع أبي موسى من العلم [ ص: 447 ] فقال : صبغ في العلم صبغة . وروى عن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ستمائة وستين حديثا ، أخرج له منها في الصحيحين ثمانية وستون حديثا .

و (قول الأعرابي " أكثرت علي من أبشر ! ) قول جلف جاهل بحال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وبقدر البشرى التي بشره بها النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ لو قبلها ، لكنها عرضت عليه فحرمها وقضيت لغيره فقبلها . والبشرى : خبر بما يسر ، وسميت بذلك لأنها تظهر السرور في بشرة المبشر ، وأصله في الخير ، وقد يقال في الشر توسعا كما قال الله تعالى : فبشرهم بعذاب أليم [التوبة: 34] وفيه ثلاث لغات : أبشر - رباعيا ، فتقول : أبشرته أبشره إبشارا ، ومنه : وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون [فصلت : 30] وبشر - مشددا - يبشر تبشيرا ، ومنه قوله تعالى : فبشر عباد الذين يستمعون القول [الزمر: 17 - 18] والثالثة : بشرت الرجل - ثلاثيا مفتوح العين - أبشره بالضم بشرا بالسكون وبشورا ، والاسم البشارة بكسر الباء وضمها .

والبشرى تقتضي مبشرا به ، فإذا ذكر تعين ، وإذا سكت عنه صلح أن يراد به العموم .

[ ص: 448 ] و (قول النبي صلى الله عليه وسلم " أبشر ") ولم يذكر له عين ما بشره به ؛ لأنه - والله أعلم - قصد تبشيره بالخير على العموم الذي يصلح لخير الدنيا والآخرة ، ولما جهل ذلك رده لحرمانه وشقوته ، ولما عرض ذلك على من عرف قدره بادر إليه وقبله ، فنال من البشارة الخير الأكبر والحظ الأوفر ، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء .

وكونه ـ صلى الله عليه وسلم ـ غسل وجهه في الماء وبصق فيه وأمره بشرب ذلك والتمسح به مبالغة في إيصال الخير والبركة لهما ، إذ قد ظهرت بركته ـ صلى الله عليه وسلم ـ فيما لمسه أو باشره أو اتصل به منه شيء ، ولما تحققت أم سلمة ذلك سألتهما أن يتركا لها فضلة من ذلك ليصيبها من تلك البشرى ومن تلك البركة حظ .

وفيه ما يدل على جواز الاستشفاء بآثار النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وبكلماته ودعواته ، وعلى جواز النشرة بالماء الذي يرقى بأسماء الله تعالى وبكلامه وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم ، وقد تقدم ذكر الخلاف في النشرة في كتاب الطب .

وأوطاس : موضع قريب من حنين .

وبعث أبي عامر إنما كان لتتبع منهزمة هوازن بحنين ، ويسمى خيله خيل الطلب ، وأبو عامر هذا اسمه عبيد بن سليم بن حضار الأشعري ، وكان أبو عامر هذا من كبار الصحابة ، عقد له رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ لواء يوم ولاه على هذا الجيش ، وختم الله تعالى له بالشهادة وبدعاء رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ بالمغفرة .

التالي السابق


الخدمات العلمية