المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم

أبو العباس القرطبي - ضياء الدين أحمد بن عمر القرطبي

صفحة جزء
4588 (76) باب خيار الناس

[ 2432 ] عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " تجدون الناس معادن، فخيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام إذا فقهوا، ..... وتجدون من خير الناس في هذا الأمر أكرههم له قبل أن يقع فيه، وتجدون من شرار الناس ذا الوجهين الذي يأتي هؤلاء بوجه وهؤلاء بوجه .

رواه أحمد ( 2 \ 524 )، والبخاري (3493)، ومسلم (2526).


[ ص: 477 ] (76 و 77) ومن باب : خيار الناس

(قوله - صلى الله عليه وسلم - : " تجدون الناس معادن ") أي : كالمعادن ، وهو مثل ، وقد جاء في حديث آخر : " الناس معادن كمعادن الذهب والفضة " . ووجه التمثيل : أن المعادن مشتملة على جواهر مختلفة ، منها النفيس ، والخسيس ، وكل من المعادن يخرج ما في أصله ، وكذلك الناس كل منهم يظهر عليه ما في أصله ، فمن كان ذا شرف وفضل في الجاهلية فأسلم لم يزده الإسلام إلا شرفا ، فإن تفقه في دين الله ، فقد وصل إلى غاية الشرف ، إذ قد اجتمعت له أسباب الشرف كلها ، فيصدق عليه قوله : " فخيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام إذا فقهوا " . والمعادن : واحدها معدن - بكسر الدال - ؛ لأنه موضع العدن ، أي : الإقامة اللازمة ، ومنه : جنات عدن ، وسمي المعدن بذلك ، لأن الناس يقيمون فيه صيفا وشتاء . قاله الجوهري .

[ ص: 478 ] و (قوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ : " وتجدون من خير الناس في هذا الأمر أكرههم له ") هكذا الرواية : " من خير الناس " وهي لبيان جنس الخيرية ، كأنه قال : تجدون أكره الناس في هذا الأمر من خيارهم ، ويصح أن يقال على مذهب الكوفيين : إنها زائدة ، فإنهم يجيزون زيادة " من " في الموجب ، كما تقدم . ويعني بالأمر : الولايات ، وإنما يكون من يكرهها من خير الناس ، إذا كانت كراهته لها لعلة تعظيم حقوقها ، وصعوبة العدل فيها ، ولخوفه من مطالبة الله تعالى بالقيام بذلك كله ، ولذلك قال فيها : " نعمت المرضعة ، وبئست الفاطمة " ، وكفى بذلك ما تقدم من قوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ : " ما من أمير عشيرة إلا يؤتى يوم القيامة مغلولا ، حتى يفكه العدل ، أو يوبقه الجور " . وذكر ذي الوجهين مفسر في الحديث ، وإنما كان ذو الوجهين شر الناس ، لأن حاله حال المنافقين ، إذ هو متملق بالباطل والكذب ، يدخل الفساد بين الناس ، والشرور ، والتقاطع ، والعداوة ، والبغضاء .

التالي السابق


الخدمات العلمية