المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم

أبو العباس القرطبي - ضياء الدين أحمد بن عمر القرطبي

صفحة جزء
4603 [ 2439 ] وعن عمران بن حصين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : إن خيركم قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم - قال عمران : فلا أدري أقال رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد قرنه مرتين أو ثلاثا - ثم يكون بعدهم قوم يشهدون ولا يستشهدون، ويخونون ولا يؤتمنون، ويظهر فيهم السمن .

رواه أحمد ( 4 \ 427 )، ومسلم (2535) (214).

وفي أخرى : [ عن أبي هريرة ] : "يحبون السمانة".

رواه مسلم (2534).


[ ص: 487 ] و (قول عمران : فلا أدري أذكر بعد قرنه مرتين ، أو ثلاثا ) هذا الذي شك فيه عمران قد حققه عبد الله بن مسعود بعد قرنه ثلاثا ، وكذلك في حديث أبي سعيد في البعوث ، فإنه ذكر أنهم أربعة .

و (قوله : " تبدر شهادة أحدهم يمينه ، ويمينه شهادته ") يعني بذلك : أنه يقل ورع الناس بعد القرن الرابع ، فيقدمون على الأيمان والشهادات من غير توقف ولا تحقيق ، وقال في حديث عمران : " يشهدون ولا يستشهدون " أي : يسبقون بأداء الشهادة قبل أن يسألوها ، وذلك لهوى لهم فيها ، ومن كان كذلك ردت شهادته ، وقد بينا فيما تقدم مواضع يتعين فيها على الشاهد الأداء وإن لم يسأل ، وذلك بحسب ما تدعو إليه الضرورة الشرعية ، وعليه يحمل قوله - صلى الله عليه وسلم - : " خير الشهداء الذي يأتي بشهادته قبل أن يسألها " . ويحتمل أن يراد بقوله : " ولا يستشهدون " أنهم : يشهدون بالزور فيكون معناه : يشهدون بما لم يستشهدوا به ، ولا شاهدوه ، والأول أولى ، لأنه أصل الكلمة .

و (قوله : " ويظهر فيهم السمن ") أي : يغلب عليهم النهم والشهوات ، ويكثرون الأكل ، فيظهر عليهم السمن ، وقد يأكلون ليسمنوا ، فإنه محبوب لهم ، [ ص: 488 ] ومن كان هذا حاله خرج عن الأكل الشرعي ، ودخل في الأكل الشري الذي قال فيه النبي - صلى الله عليه وسلم - : " ما ملأ آدمي وعاء شرا من بطن ، حسب ابن آدم لقيمات يقمن صلبه ، فإن كان ولا بد ، فثلث لطعامه ، وثلث لشرابه ، وثلث لنفسه " .

و (قول إبراهيم النخعي : كانوا ينهوننا ونحن غلمان عن العهد والشهادات ) يعني : من أدرك ، وقد أدرك التابعين ، فكانوا يزجرون الصبيان عن اعتياد إلزام أنفسهم العهود والمواثيق ، لما يلزم الملتزم من الوفاء ، فيحرج أو يأثم بالترك ، وكذلك عن تحمل الشهادات لما يلزم عليه من مشقة الأداء ، وصعوبة التخلص من آفاتها في الدنيا والآخرة ، وكل ذلك من السلف رضي الله عنهم تعليم للصغار ، وتدريب لهم على ما يجتنبونه في حال كبرهم .

و (قوله : " ويخونون ولا يؤتمنون ") يعني : أنهم تشتهر خيانتهم ، فلا يأتمنهم أحد ، وهذا نحو مما تقدم في حديث حذيفة في الأمانة .

التالي السابق


الخدمات العلمية