المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم

أبو العباس القرطبي - ضياء الدين أحمد بن عمر القرطبي

صفحة جزء
4611 (81) باب وجوب احترام أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم والنهي عن سبهم

[ 2444 ] عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "لا تسبوا أصحابي، لا تسبوا أصحابي، فوالذي نفسي بيده ، لو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهبا ما أدرك مد أحدهم، ولا نصيفه" .

رواه مسلم (2540) (221)، وابن ماجه (161).

[ 2445 ] وعن أبي سعيد قال : كان بين خالد بن الوليد وبين عبد الرحمن بن عوف شيء، فسبه خالد . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا تسبوا أحدا من أصحابي فإن أحدكم لو أنفق مثل أحد ذهبا ما أدرك مد أحدهم ولا نصيفه .

رواه أحمد ( 3 \ 11 )، والبخاري (3673)، ومسلم (2541)، وأبو داود (4658)، والترمذي (3861).


(81) ومن باب : وجوب احترام أصحاب رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ

من المعلوم الذي لا يشك فيه : أن الله تعالى اختار أصحاب نبيه لنبيه ـ صلى الله عليه وسلم ـ ، ولإقامة دينه ، فجميع ما نحن فيه من العلوم ، والأعمال ، والفضائل ، والأحوال ، والمتملكات ، والأموال ، والعز ، والسلطان ، والدين ، والإيمان ، وغير ذلك من النعم التي لا يحصيها لسان ، ولا يتسع لتقديرها زمان إنما كان بسببهم . ولما كان ذلك وجب علينا الاعتراف بحقوقهم والشكر لهم على عظيم أياديهم ، قياما بما أوجبه الله تعالى من شكر المنعم ، واجتنابا لما حرمه من كفران حقه ، هذا مع ما تحققناه من ثناء الله تعالى عليهم ، وتشريفه لهم ، ورضاه عنهم ، كقوله تعالى : لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة ... إلى قوله : [ ص: 493 ] ... محمد رسول الله [الفتح : 18 - 29] وقوله : والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار [التوبة: 100] وقوله : للفقراء المهاجرين [الحشر: 8] إلى غير ذلك ، وكقوله صلى الله عليه وسلم : " إن الله اختار أصحابي على العالمين سوى النبيين والمرسلين" ، إلى غير ذلك من الأحاديث المتضمنة للثناء عليهم - رضي الله عنهم أجمعين . وعلى هذا فمن تعرض لسبهم ، وجحد عظيم حقهم ، فقد انسلخ من الإيمان ، وقابل الشكر بالكفران ، ويكفي في هذا الباب ما رواه الترمذي من حديث عبد الله بن مغفل - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ : " الله ! الله ! في أصحابي ، لا تتخذوهم غرضا بعدي ، فمن أحبهم فبحبي أحبهم ، ومن أبغضهم فببغضي أبغضهم ، ومن آذاهم فقد آذاني ، ومن آذاني فقد آذى الله ، ومن آذى الله يوشك أن يأخذه " . فقال : هذا حديث غريب . وهذا الحديث ، وإن كان غريب السند فهو صحيح المتن ، لأنه معضود بما قدمناه من الكتاب وصحيح السنة وبالمعلوم من دين الأمة ، إذ لا خلاف في وجوب احترامهم ، وتحريم سبهم ، ولا يختلف في أن من قال : إنهم كانوا على كفر أو ضلال كافر يقتل ، لأنه أنكر معلوما ضروريا من الشرع ، فقد كذب الله ورسوله فيما أخبرا به عنهم . وكذلك الحكم فيمن كفر أحد الخلفاء الأربعة ، أو ضللهم . وهل حكمه حكم المرتد فيستتاب؟ أو حكم الزنديق فلا يستتاب ويقتل على كل حال ؟ هذا مما يختلف فيه ، فأما من سبهم بغير ذلك ، فإن كان سبا يوجب حدا كالقذف حد حده ، ثم ينكل التنكيل الشديد من الحبس ، والتخليد فيه ، والإهانة ما خلا عائشة - رضي الله عنها ، فإن قاذفها يقتل ، لأنه مكذب لما جاء في الكتاب والسنة من براءتها . قاله مالك وغيره . واختلف في غيرها من أزواج النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فقيل : يقتل قاذفها ، لأن ذلك أذى للنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ، [ ص: 494 ] وقيل : يحد وينكل ، كما ذكرناه على قولين . وأما من سبهم بغير القذف ، فإنه يجلد الجلد الموجع ، وينكل التنكيل الشديد ، قال ابن حبيب : ويخلد سجنه إلى أن يموت . وقد روي عن مالك : من سب عائشة قتل مطلقا ، ويمكن حمله على السب بالقذف ، والله تعالى أعلم .

و (قوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ : " لا تسبوا أصحابي . . . " إلخ . رواه أبو هريرة مجردا عن سببه ، وقد رواه أبو سعيد الخدري ، وذكر أن سبب ذلك القول هو أنه كان بين خالد بن الوليد وبين عبد الرحمن بن عوف شيء ، أي : منازعة ، فسبه خالد ، فقال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ذلك القول ، فأظهر ذلك السبب أن مقصود هذا الخبر زجر خالد ، ومن كان على مثل حاله ممن سبق بالإسلام ، وإظهار خصوصية السابق بالنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ، وأن السابقين لا يلحقهم أحد في درجتهم ، وإن كان أكثر نفقة وعملا منهم ، وهذا نحو قوله تعالى : لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل [الحديد: 10] ويدل على صحة هذا المقصود : أن خالدا وإن كان من الصحابة - رضي الله عنهم ، لكنه متأخر الإسلام . قيل : أسلم سنة خمس ، وقيل : سنة ثمان . لكنه ـ صلى الله عليه وسلم ـ لما عدل عن غير خالد وعبد الرحمن إلى التعميم دل ذلك على أنه قصد [ مع ذلك ] تقعيد قاعدة تغليظ تحريم سب الصحابة مطلقا ، فيحرم ذلك من صحابي وغيره ، لأنه إذا [ ص: 495 ] حرم على صحابي فتحريمه على غيره أولى . وأيضا : فإن خطابه ـ صلى الله عليه وسلم ـ للواحد خطاب للجميع ، وخطابه للحاضرين خطاب للغائبين إلى يوم القيامة . والنصيف لغة : في النصف ، وكذلك الثمين لغة : في الثمن .

وفي هذا الحديث دلالة واضحة على أن الصحابة - رضوان الله عليهم - لا يلحقهم أحد ممن بعدهم في فضلهم كما تقدم .

التالي السابق


الخدمات العلمية