المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم

أبو العباس القرطبي - ضياء الدين أحمد بن عمر القرطبي

صفحة جزء
4617 (84) باب: في ثقيف كذاب ومبير

[ 2450 ] عن أبي نوفل قال : رأيت عبد الله بن الزبير على عقبة المدينة قال : فجعلت قريش تمر عليه والناس حتى مر عليه عبد الله بن عمر، فوقف عليه فقال : السلام عليك أبا خبيب، السلام عليك أبا خبيب، السلام عليك أبا خبيب، أما والله لقد كنت أنهاك عن هذا، أما والله لقد كنت أنهاك عن هذا، أما والله لقد كنت أنهاك عن هذا، أما والله إن كنت ما علمت صواما قواما وصولا للرحم، أما والله لأمة أنت شرها لأمة خير. ثم نفذ عبد الله بن عمر فبلغ الحجاج موقف عبد الله وقوله، فأرسل إليه، فأنزل عن جذعه، فألقي في قبور اليهود، ثم أرسل إلى أمه أسماء بنت أبي بكر فأبت أن تأتيه، فأعاد عليها الرسول لتأتيني أو لأبعثن إليك من يسحبك بقرونك ، قال : فأبت وقالت : والله لا آتيك حتى تبعث إلي من يسحبني بقروني . قال : فقال : أروني سبتي فأخذ نعليه، ثم انطلق يتوذف حتى دخل عليها، قال : كيف رأيتني صنعت بعدو الله؟ قالت : رأيتك أفسدت عليه دنياه، وأفسد عليك آخرتك. بلغني أنك تقول : يا ابن ذات النطاقين، أنا والله ذات النطاقين ؛ أما أحدهما فكنت أرفع به طعام رسول الله صلى الله عليه وسلم وطعام أبي بكر من الدواب، وأما الآخر فنطاق المرأة التي لا تستغني عنه، أما إن رسول الله صلى الله عليه وسلم حدثنا أن في ثقيف كذابا ومبيرا ، فأما الكذاب فرأيناه، وأما المبير فلا إخالك إلا إياه، قال : فقام عنها ولم يراجعها .

رواه مسلم (2545).


(84) ومن باب : في ثقيف كذاب ومبير

( قول أبي نوفل : رأيت عبد الله بن الزبير على عقبة المدينة ) يعني : أنه رآه مصلوبا على خشبة على عقبة المدينة ، صلبه الحجاج - بعد أن قتل في المعركة - منكسا ، وكان من حديثه ما قد تقدم بعضه ، وذلك أنه لما مات معاوية بن يزيد بن معاوية بن أبي سفيان ، ولم يول أحدا ، بقي الناس لا خليفة لهم ، ولا إمام مدة قد تقدم ذكرها ، فعند ذلك بايع الناس لعبد الله بن الزبير بمكة ، واجتمع على طاعته أهل الحجاز ، وأهل اليمن ، والعراق وخراسان ، وحج بالناس ثماني حجج ، ثم بايع أهل الشام لمروان بن الحكم ، واجتمع عليه أهل الشام ، ومصر ، والمغرب ، وكان ابن الزبير أولى بالأمر من مروان وابنه على ما قاله مالك - وهو الحق - لعلم ابن الزبير ، وفضله ، وبيته ، فجرت بينهم حروب وخطوب عظيمة ، إلى أن توفي مروان وولي عبد الملك ، واستفحل أمره بالحجاج ، فوجه الحجاج إلى مكة في جيش عظيم ، فحاصر فيها عبد الله بن الزبير مدة ستة أشهر وسبعة عشر يوما ، ثم دخل عليه ، فقتل يوم الثلاثاء لسبع عشرة ليلة خلت من جمادى الأولى . وقيل : جمادى الآخرة ، سنة ثلاث وسبعين ، وهو ابن اثنتين وسبعين سنة . قال المدائني : [ ص: 503 ] بويع له بالخلافة سنة [ خمس وستين ، وكان قبل ذلك لا يدعى باسم الخلافة ، وقال غيره : بويع له بالخلافة سنة ] أربع وستين ، ثم بقي مصلوبا على خشبة إلى أن رحل عروة بن الزبير إلى عبد الملك بن مروان ، فرغب إليه أن ينزل من الخشبة فأشفعه ، فأنزل . قال ابن أبي مليكة : كنت الآذن لمن بشر أسماء بنزول ابنها عبد الله بن الزبير من الخشبة ، فدعت بمركن وشب يمان ، وأمرتني بغسله ، فكنا لا نتناول عضوا إلا جاء معنا ، وكنا نغسل العضو ، ونضعه في أكفانه حتى فرغنا منه ، وكانت أمه أسماء تقول قبل ذلك : اللهم لا تمتني حتى تقر عيني بجثته ، فما أتت عليها جمعة حتى ماتت . وفي مدة صلبه مر به ابن عمر فقال : السلام عليك أبا خبيب ، كناه بابن له يسمى خبيبا ، وكنيته الشهيرة أبو بكر .

و ( قول ابن عمر : أما والله لقد كنت أنهاك عن هذا ) أي : عن التعرض لهذا ، وكأنه كان أشار عليه بالصلح ، ونهاه عن قتالهم لما رأى من كثرة عدوه ، وشدة شوكتهم ، ثم إنه شهد بما علم من حاله فقال : أما والله إن كنت ما علمت صواما ، قواما ، وصولا للرحم . وكان يصوم الدهر ، ويواصل الأيام ، ويحيي الليل ، وربما قرأ القرآن كله في ركعة الوتر ، و (إن) التي مع كنت مخففة من الثقيلة ، واسمها محذوف ، تقديره : إنك كنت ، وما مع الفعل بتأويل المصدر .

و (قوله : أما والله لأمة أنت شرها لأمة خير ) يعني بذلك : أنهم إنما قتلوه [ ص: 504 ] وصلبوه ، لأنه شر الأمة في زعمهم ، مع ما كان عليه من الفضل والدين والخير ، فإذا لم يكن في تلك الأمة شر منه ، فالأمة كلها أمة خير ، وهذا الكلام يتضمن الإنكار عليهم فيما فعلوه به .

و (قوله : فبلغ الحجاج موقف عبد الله وقوله ، فأرسل إليه ، فأنزل عن جذعه ) ظاهر هذا : أنه إنما أنزله عن الخشبة لقول عبد الله وموقفه ، وقد نقلنا : أن إنزاله كان عن سؤال عروة لعبد الملك في ذلك ، فيجوز أن يكون اجتمع إذن ( عبد الملك ) ، وموقف عبد الله ، فكان إنزاله عنهما .

و ( نسحبك ) : نجرك . و ( قرونها ) : الثوب الذي تنتطق به المرأة ، أي : تحتزم . و ( يتوذف ) : يمشي متبخترا ، وقيل : مسرعا . و ( المبير ) : المهلك ، وكذلك كان الحجاج ، فإنه روي أنه أحصي من قتله الحجاج صبرا ، فوجدوهم ثلاثين ألفا ، وأما من قتل في الحروب فلم يحصوا .

وأما الكذاب فهو : المختار بن أبي عبيد الثقفي ، فإنه ادعى النبوة ، وتبعه على ذلك خلق كثير حتى قتله الله تعالى كما تقدم .

[ ص: 505 ] و (قوله : فقام عنها ، فلم يراجعها ) قد حكي عنه أنه قال : اللهم ! مبير لا كذاب .

و ( إخالك ) : أظنك ، وكسر همزة إخالك لغة فصيحة ، والفتح الأصل والقياس .

التالي السابق


الخدمات العلمية