المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم

أبو العباس القرطبي - ضياء الدين أحمد بن عمر القرطبي

صفحة جزء
4633 (4) باب في البر والإثم

[ 2460 ] عن النواس بن سمعان الأنصاري قال : أقمت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة سنة؛ ما يمنعني من الهجرة إلا المسألة كان أحدنا إذا هاجر لم يسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن شيء، قال : فسألته عن البر والإثم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " البر حسن الخلق، والإثم ما حاك في نفسك، وكرهت أن يطلع عليه الناس" .

رواه أحمد ( 4 \ 182 )، ومسلم (2553) (15)، والترمذي (2389).


(4) ومن باب : البر والإثم

ذكر مسلم في هذا الباب النواس بن سمعان ، ونسبه إلى الأنصار ، فقال : الأنصاري ، والمشهور في نسبه أنه كلابي ، إلا أن يكون حليفا للأنصار ، وهو : النواس بن سمعان بن خالد بن عمرو بن قرط بن كلاب ، هكذا نسبه الغلابي ويحيى بن معين .

[ ص: 522 ] قلت : هذا كله حكاية أبي عبد الله المازري ، والذي ذكره أبو عمر في نسبه أنه قال : النواس بن سمعان بن خالد بن عبد الله بن أبي بكر بن ربيعة الكلابي . وبين النسبين زيادة في الأجداد ، وتغيير في الأسماء ، فتأمله .

و (قوله : أقمت مع رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ بالمدينة سنة ما يمنعني من الهجرة إلا المسألة ) يعني : أنه أقام بالمدينة في صورة العازم على الرجوع إلى الوطن الذي جاء منه ، لا أنه التزم أحكام الهجرة من الاستيطان بها ، والكون فيها ساكنا بها مع رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ . وهذا يدل على أن الهجرة ما كانت واجبة على كل من أسلم ، وقد تقدم الخلاف في ذلك ، وقد بين عذره في كونه لم يلتزم سكنى المدينة ، وهو قوله : ما يمنعني من الهجرة إلا المسألة ، أي : الأسولة التي كان يسأل رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ عنها ، وإنما كان ذلك لأن المهاجرين والقاطنين بالمدينة كانوا يكلفونه المسائل ، لأنهم ما كانوا يسألون رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ عن شيء ، ولذلك قال : كان أحدنا إذا هاجر لم يسأل رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ عن شيء . وقد تمم هذا المعنى أنس بن مالك حيث قال : نهينا أن نسأل رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ في القرآن عن شيء ، فكان يعجبنا أن يجيء الرجل العاقل من أهل البادية فيسأله ونحن نسمع . وقد تقدم القول في ذلك .

و (قوله : فسألته عن البر والإثم ) أي : عما يبر فاعله فيلحق بالأبرار ، وهم المطيعون لله تعالى . وعما يأثم فاعله ، فيلحق بالآثمين ، فأجابه النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ بجواب جملي أغناه به عن التفصيل ، فقال له : " البر حسن الخلق " يعني : أن حسن الخلق أعظم خصال البر ، كما قال : " الحج عرفة " ويعني بحسن الخلق : الإنصاف في المعاملة ، والرفق في المجادلة ، والعدل في الأحكام ، والبذل ، والإحسان .

[ ص: 523 ] و (قوله : " والإثم ما حاك في نفسك وكرهت أن يطلع عليه الناس ") أي : الشيء الذي يؤثر نفرة وحزازة في القلب . يقال : حاك الشيء في قلبي : إذا رسخ فيه وثبت ، ولا يحيك هذا في قلبي ، أي : لا يثبت فيه ، ولا يستقر . قال شمر : الكلام الحائك : هو الراسخ في القلب ، وإنما أحاله النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ على هذا الإدراك القلبي ، لما علم من جودة فهمه ، وحسن قريحته ، وتنوير قلبه ، وأنه يدرك ذلك من نفسه . وهذا كما قال في الحديث الآخر : " الإثم حزاز القلوب " يعني به القلوب المنشرحة للإسلام ، المنورة بالعلم الذي قال فيه مالك : العلم نور يقذفه الله تعالى في القلب ، وهذا الجواب لا يصلح لغليظ الطبع قليل الفهم ، فإذا سأل عن ذلك من قل فهمه فصلت له الأوامر والنواهي الشرعية . وقد قالت عائشة - رضي الله عنها - : أمرنا رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ أن ننزل الناس منازلهم .

التالي السابق


الخدمات العلمية