المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم

أبو العباس القرطبي - ضياء الدين أحمد بن عمر القرطبي

صفحة جزء
4646 (7) باب النهي عن التجسس والتنافس والظن السيئ وما يحرم على المسلم من المسلم

[ 2470 ] عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " إياكم والظن ؛ فإن الظن أكذب الحديث، ولا تحسسوا، ولا تجسسوا، ولا تنافسوا، ولا تحاسدوا، ولا تباغضوا، ولا تدابروا، وكونوا عباد الله إخوانا" .

رواه أحمد ( 2 \ 245 )، والبخاري (6066)، ومسلم (2563) (28)، وأبو داود (4917).


(7) ومن باب : النهي عن التجسس

(قوله : " إياكم والظن ؛ فإن الظن أكذب الحديث ") الظن هنا هو التهمة ، ومحل التحذير والنهي إنما هو تهمة لا سبب لها يوجبها ، كمن يتهم بالفاحشة ، أو بشرب الخمر ولم يظهر عليه ما يقتضي ذلك . ودليل كون الظن هنا بمعنى التهمة قوله بعد هذا : " ولا تجسسوا ، ولا تحسسوا " ؛ وذلك أنه قد يقع له خاطر التهمة ابتداء فيريد أن يتجسس خبر ذلك ، ويبحث عنه ، ويتبصر ، ويستمع ليحقق ما وقع له من تلك التهمة ، فنهى النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك . وقد جاء في بعض الحديث : " إذا ظننت فلا تحقق " وقال الله تعالى : وظننتم ظن السوء وكنتم قوما بورا [الفتح: 12] وذلك : أن المنافقين تطيروا برسول الله صلى الله عليه وسلم وبأصحابه حين انصرفوا إلى الحديبية فقالوا : إن محمدا وأصحابه أكلة رأس ، ولن يرجعوا إليكم أبدا .

[ ص: 535 ] فذلك ظنهم السيئ الذي وبخهم الله تعالى عليه ، وهو من نوع ما نهى الشرع عنه ، إلا أنه أقبح النوع .

فأما الظن الشرعي الذي هو تغليب أحد المجوزين ، أو بمعنى اليقين فغير مراد من الحديث ، ولا من الآية يقينا ، فلا يلتفت لمن استدل بذلك على إنكار الظن الشرعي ، كما قررناه في الأصول .

وقد اختلف في التجسس والتحسس ؟ هل هما بمعنى واحد ، أو بمعنيين ؟ والثاني أشهر . فقيل : هو بالجيم : البحث عن بواطن الأمور ، وأكثر ما يكون في الشر ، ومنه : الجاسوس ، وهو صاحب سر الشر . وبالحاء : البحث عما يدرك بالحس ؟ بالعين أو بالأذن . وقيل : بالجيم : طلب الشيء لغيرك ، وبالحاء : طلبه لنفسك . قاله ثعلب . والأول أعرف .

و (قوله : " ولا تنافسوا ") أي : لا تتباروا في الحرص على الدنيا وأسبابها . وأما التنافس في الخير فمأمور به ، كما قال تعالى : وفي ذلك فليتنافس المتنافسون أي : في الجنة وثوابها ، وكأن المنافسة هي الغبطة . وقد أبعد من فسرها بالحسد ، لا سيما في هذا الحديث ، فإنه قد قرن بينها وبين الحسد في مساق واحد ، فدل على أنهما أمران متغايران .

التالي السابق


الخدمات العلمية