المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم

أبو العباس القرطبي - ضياء الدين أحمد بن عمر القرطبي

صفحة جزء
4652 (8) باب لا يغفر للمتشاحنين حتى يصطلحا

[ 2473 ] عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " تفتح أبواب الجنة يوم الإثنين ويوم الخميس، فيغفر لكل عبد لا يشرك بالله شيئا إلا رجلا كانت بينه وبين أخيه شحناء، فيقال: أنظروا هذين حتى يصطلحا! أنظروا هذين حتى يصطلحا! أنظروا هذين حتى يصطلحا" .

وفي رواية : "فيغفر لكل عبد مؤمن، إلا عبدا بينه وبين أخيه شحناء فيقال: اتركوا أو اركوا هذين حتى يفيئا" .

رواه مسلم (2565) (35 و 36)، وأبو داود (4916)، والترمذي (2024).


(8) ومن باب : لا يغفر للمتشاحنين حتى يصطلحا

المتشاحنان : المتباغضان ، من الشحناء ، وهي : البغضاء . وقد خص الله تعالى هذين اليومين بفتح أبواب الجنة فيهما ، وبمغفرة الله تعالى لعباده ، [ ص: 540 ] وبأنهما تعرض فيهما الأعمال على الله تعالى ، كما جاء في الحديث الآخر . وهذه الذنوب التي تغفر في هذين اليومين هي الصغائر . والله تعالى أعلم . كما تقدم ذلك في قوله صلى الله عليه وسلم : " الصلوات الخمس ، والجمعة إلى الجمعة ، ورمضان إلى رمضان مكفرات ما بينهن إذا اجتنبت الكبائر " ، ومع ذلك فرحمة الله وسعت كل شيء " وفضله يعم كل ميت وحي . ومقصود هذا الحديث التحذير من الإصرار على بغض المسلم ومقاطعته ، وتحريم استدامة هجرته ومشاحنته ، والأمر بمواصلته ، ومكارمته .

و ( أنظروا ) معناه : أخروا ، وكذلك : ( اركوا ) ، قال ابن الأعرابي : يقال : ركاه ، يركوه : إذا أخره .

وفتح أبواب الجنة في هذين اليومين محمول على ظاهره ، ولا ضرورة تحوج إلى تأويله ، ويكون فتحها تأهلا ، وانتظارا من الخزنة لروح من يموت في ذينك اليومين ممن غفرت ذنوبه ، أو يكون فتحها علامة للملائكة على أن الله تعالى غفر في ذينك اليومين للموحدين ، والله تعالى أعلم . وهو حجة لأهل السنة على قولهم : إن الجنة والنار قد خلقتا ووجدتا ، خلافا للمبتدعة ؛ الذين قالوا : إنهما لم تخلقا بعد ، وستخلقان . وعرض الأعمال المذكورة إنما هو - والله تعالى أعلم – [ ص: 541 ] لتنقل من صحف الكرام الكاتبين إلى محل آخر ، ولعله اللوح المحفوظ . كما قال الله تعالى : إنا كنا نستنسخ ما كنتم تعملون [الجاثية: 29] قال الحسن : إن الخزنة تستنسخ الحفظة من صحائف الأعمال . وقد يكون هذا العرض في هذين اليومين للأعمال الصالحة مباهاة بصالح أعمال بني آدم على الملائكة ، كما يباهي الله الملائكة بأهل عرفة ، وقد يكون هذا العرض لتعلم الملائكة المقبول من الأعمال من المردود ، كما جاء الحديث الآخر : " إن الملائكة تصعد بصحائف الأعمال ، فتعرضها على الله ، فيقول الله تعالى : ضعوا هذا واقبلوا هذا ، فتقول الملائكة : وعزتك يا ربنا ما رأينا إلا خيرا ! فيقول الله تعالى : إن هذا كان لغيري ، ولا أقبل من العمل إلا ما ابتغي به وجهي " والله تعالى أعلم بحقيقة ذلك .

التالي السابق


الخدمات العلمية