المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم

أبو العباس القرطبي - ضياء الدين أحمد بن عمر القرطبي

صفحة جزء
5320 (36) باب كراهية المدح وفي حثو التراب في وجوه المداحين

[ 2552 ] عن أبي بكر ، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه ذكر عنده رجل، فقال رجل: يا رسول الله، ما من رجل بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم أفضل منه في كذا وكذا. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "ويحك، قطعت عنق صاحبك" - مرارا يقول ذلك- ، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " إن كان أحدكم مادحا أخاه لا محالة فليقل: أحسب فلانا إن كان يرى أنه كذلك، ولا أزكي على الله أحدا".

رواه أحمد ( 5 \ 46 )، والبخاري (2662)، ومسلم (3000) (65 و 66)، وأبو داود (4805).

[ 2553 ] وعن أبي موسى قال: سمع النبي صلى الله عليه وسلم رجلا يثني على رجل ويطريه في المدحة ، فقال: "لقد أهلكتم - أو قطعتم - ظهر الرجل" .

رواه أحمد ( 4 \ 412 )، ومسلم (3001).


[ ص: 627 ] (36) ومن باب : كراهة المدح

قوله : " ويحك ! قطعت عنق صاحبك " ، وفي حديث أبي موسى : " قطعتم ظهر الرجل ") كل ذلك بمعنى أهلكتموه . وقد جاء عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال : " إياكم والمدح ؛ فإنه الذبح " . ويعني بذلك كله أن الممدوح إذا أكثر عليه من ذلك يخاف عليه منه العجب بنفسه ، والكبر على غيره ، فيهلك دينه بهاتين الكبيرتين ، فإذا المدح مظنة الهلاك الديني ، فيحرم ، لكن هذه المظنة لا تتحقق إلا عند الإكثار منه ، والإطراء به ، وأما مع الندرة والقلة ؛ فلا يكون مظنة ، فيجوز ذلك إذا كان حقا في نفسه ، ولم يقصد به الإطراء ، وأمن على الممدوح الاغترار به . وعلى هذا يحمل ما وقع للصحابة - رضي الله عنهم - من مدح بعضهم لبعض مشافهة ومكاتبة . وقد مدح النبي صلى الله عليه وسلم مشافهة نظما ونثرا ، ومدح هو أيضا جماعة من أعيان أصحابه مشافهة ، لكن ذلك كله إنما جاز لما صحت المقاصد ، وأمنت الآفات المذكورة .

و (قوله : " إن كان أحدكم مادحا أخاه لا محالة ، فليقل : أحسب فلانا ؛ إن كان يرى أنه كذلك ") ظاهر هذا أنه لا ينبغي للإنسان أن يمدح أحدا ما وجد من ذلك مندوحة ، فإن لم يجد بدا مدح لما يعلمه من أوصافه ، وبما يظنه ، ويتحرز من [ ص: 628 ] الجزم والقطع بشيء من ذلك ، بل يتحرز بأن يقول : فيما أحسب أو أظن ، ويزيد على ذلك : ولا أزكي على الله أحدا ، أي : لا أقطع بأنه كذلك عند الله ؛ فإن الله تعالى هو المطلع على السرائر ، العالم بعواقب الأمور .

التالي السابق


الخدمات العلمية