المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم

أبو العباس القرطبي - ضياء الدين أحمد بن عمر القرطبي

صفحة جزء
4777 (42) باب المرء مع من أحب وفي الثناء على الرجل الصالح

[ 2567 ] عن أنس بن مالك قال: بينا أنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم خارجان من المسجد، فلقينا رجلا عند سدة المسجد فقال: يا رسول الله متى الساعة؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما أعددت لها؛ قال: وكأن الرجل استكان، ثم قال: يا رسول الله ما أعددت لها كبير صلاة ولا صيام ولا صدقة، ولكني أحب الله ورسوله قال: "فأنت مع من أحببت" .

وفي رواية : قال: "ما
أعددت للساعة؟" قال: حب الله ورسوله . قال: فإنك مع من أحببت. قال أنس: فما فرحنا بعد الإسلام فرحا أشد من قول النبي صلى الله عليه وسلم: "فإنك مع من أحببت". قال أنس: فأنا أحب الله ورسوله وأبا بكر وعمر، فأرجو أن أكون معهم، وإن لم أعمل بأعمالهم.


رواه أحمد ( 3 \ 192 )، والبخاري (3688)، ومسلم (2639) (163 و 164)، وأبو داود (5127)، والترمذي (2385).

[ 2568 ] وعن عبد الله - هو ابن مسعود - قال: جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله ، كيف ترى رجلا أحب قوما ولما يلحق بهم؛ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "المرء مع من أحب".

رواه أحمد ( 1 \ 392 )، والبخاري (6168)، ومسلم (2640).


(42) ومن باب : المرء مع من أحب

وفي الثناء على الرجل الصالح

(قوله : فلقينا رجلا عند سدة المسجد ) يعني : عند باب المسجد ، والسدة تقال على ما يسد به الباب ، وعلى المسدود الذي هو الباب .

و (قوله : فكأن الرجل استكان ) أي : سكن تذللا .

و (قوله : ما أعددت لها كبير صلاة ، ولا صيام ، ولا صدقة ) يعني بذلك : النوافل من الصلاة والصدقة ، والصوم ، لأن الفرائض لا بد له ولغيره من فعلها ، فيكون معناه : أنه لم يأت منها بالكثير الذي يعتمد عليه ، ويرتجى دخول الجنة [ ص: 647 ] بسببه ، هذا ظاهره ، ويحتمل أن يكون أراد أن الذي فعله من تلك الأمور - وإن كان كثيرا- فإنه محتقر بالنسبة إلى ما عنده من محبة الله تعالى ورسوله ، فكأنه ظهر له أن محبة الله ورسوله أفضل الأعمال وأعظم القرب ، فجعلها عمدته ، واتخذها عدته ، والله تعالى أعلم .

و (قوله : " فأنت مع من أحببت ") قد تكلمنا عليه في غير موضع .

و (قوله : ما فرحنا بعد الإسلام فرحا أشد من قول النبي صلى الله عليه وسلم ) هكذا وقع هذا اللفظ في الأصول ، وفيه حذف وتوسع ، تقديره : فما فرحنا فرحا أشد من فرحنا بقول النبي صلى الله عليه وسلم ذلك القول ، وسكت عن ذلك المحذوف للعلم به . وإنما كان فرحهم بذلك أشد ، لأنهم لم يسمعوا أن في أعمال البر ما يحصل به ذلك المعنى من القرب من النبي صلى الله عليه وسلم ، والكون معه ؛ إلا حب الله ورسوله ، فأعظم بأمر يلحق المقصر بالمشمر ، والمتأخر بالمتقدم . ولما فهم أنس أن هذا اللفظ محمول على عمومه علق به رجاءه ، وحقق فيه ظنه ، فقال : أنا أحب الله ورسوله وأبا بكر وعمر ، فأرجو أن أكون معهم ، وإن لم أعمل بأعمالهم . والوجه الذي تمسك به أنس يشمل من المسلمين المحبين كل ذي نفس ، فلذلك تعلقت أطماعنا بذلك ؛ وإن كنا مقصرين ، ورجونا رحمة الرحمن ، وإن كنا غير مستأهلين .

التالي السابق


الخدمات العلمية