المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم

أبو العباس القرطبي - ضياء الدين أحمد بن عمر القرطبي

صفحة جزء
4786 (3) باب كل ميسر لما خلق له

[ 2573 ] عن علي - رضي الله عنه - قال: كنا في جنازة في بقيع الغرقد، فأتانا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقعد وقعدنا حوله، ومعه مخصرة فنكس فجعل ينكت بمخصرته ثم قال: " ما منكم من أحد ما من نفس منفوسة، إلا وقد كتب الله مكانها من الجنة والنار، إلا وقد كتبت شقية أو سعيدة" . قال : فقال رجل: يا رسول الله ، أفلا نمكث على كتابنا وندع العمل؟ فقال: "من كان من أهل السعادة فسيصير إلى عمل أهل السعادة، ومن كان من أهل الشقاوة فسيصير إلى عمل أهل الشقاوة" فقال: "اعملوا فكل ميسر، أما أهل السعادة فييسرون لعمل أهل السعادة، وأما أهل الشقاوة فييسرون لعمل أهل الشقاوة" ، ثم قرأ: فأما من أعطى واتقى وصدق بالحسنى فسنيسره لليسرى وأما من بخل واستغنى وكذب بالحسنى فسنيسره للعسرى

[الليل: 5-10].

وفي رواية : أفلا نتكل (مكان) نمكث؛ قال : "اعملوا فكل ميسر لما خلق له" . ثم قرأ الآية .

رواه أحمد ( 1 \ 82 )، والبخاري (4947)، ومسلم (2647) (6 و 7)، والترمذي (2136)، وابن ماجه (78).


(3) ومن باب : قوله صلى الله عليه وسلم : " كل ميسر لما خلق له "

بقيع الغرقد : مدفن أهل المدينة ، وقد تقدم ذكره . والمخصرة : قضيب كان يمسكه بيده في بعض الأحوال على عادة رؤساء العرب ؛ فإنهم يمسكونها ويشيرون بها ، ويصلون بها كلامهم . وجمعها مخاصر ، والفعل منها : تخصر . حكاه ابن قتيبة . والنكت بها في الأرض : تحريك الأرض بها ، وهذا فعل المتفكر المعتبر .

[ ص: 658 ] و (قوله : أفلا نمكث على كتابنا وندع العمل ، وفي الرواية الأخرى : أفلا نتكل على كتابنا) حاصل هذا السؤال أنه إذا وجبت السعادة والشقاوة بالقضاء الأزلي ، والقدر الإلهي ، فلا فائدة للتكليف ، ولا حاجة بنا إلى العمل ، فنتركه ، وهذه أعظم شبه النافين للقدر . وقد أجابهم النبي صلى الله عليه وسلم بما لا يبقى معه إشكال ، فقال : " اعملوا فكل ميسر لما خلق له " ثم قرأ : فأما من أعطى واتقى وصدق بالحسنى الآيات [الليل: 5-6] ، ووجه الانفصال : أن الله تعالى أمرنا بالعمل ، فلا بد من امتثال أمره ، وغيب عنا المقادير لقيام حجته وزجره . ونصب الأعمال علامة على ما سبق في مشيئته وحكمته ، وعزه لا يسأل عما يفعل لا يبقى معها لقائل مقول ، وقهر وهم يسألون [الأنبياء: 23] يخضع له المتكبرون . وقد بينا فيما تقدم أن مورد التكليف : فعل الاختيار ، وأن ذلك ليس مناقضا لما سبقت به الأقدار .

و (قوله : فأما من أعطى أي : الفضل من ماله . ابن عباس : حق الله تعالى . الحسن : الصدق من قلبه . واتقى أي : ربه . ابن عباس وقتادة : محارمه . مجاهد : البخل . وصدق بالحسنى أي : الكلمة الحسنى ؛ وهي كلمة التوحيد . الضحاك : بموعود الله . قتادة : بالصلاة والزكاة والصوم . زيد بن أسلم [ ص: 659 ] فسنيسره ، أي : نهون عليه ونهيئه لليسرى أي : للحالة اليسرى من العمل الصالح والخير الراجح . وقيل : للجنة . وأما من بخل أي : بماله ، ابن عباس . وقال قتادة : بحق الله . واستغنى بماله ، عن الحسن . ابن عباس : عن ربه . وكذب بالحسنى أي : بالجنة . والعسرى : نقيض ما تقدم في اليسرى . و تردى هلك بالجهل والكفر ، وفي الآخرة بعذاب الله .

التالي السابق


الخدمات العلمية