المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم

أبو العباس القرطبي - ضياء الدين أحمد بن عمر القرطبي

صفحة جزء
4798 (8) باب تصريف الله تعالى القلوب وكتب على ابن آدم حظه من الزنا

[ 2583 ] عن عبد الله بن عمرو بن العاص ، أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: " إن قلوب بني آدم كلها بين إصبعين من أصابع الرحمن، كقلب واحد يصرفه حيث يشاء" ، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اللهم مصرف القلوب صرف قلوبنا إلى طاعتك" .

رواه أحمد ( 2 \ 168 )، ومسلم (2654).


[ ص: 672 ] (8) ومن باب : تصريف الله تعالى القلوب

وكتب على ابن آدم حظه من الزنا

(قوله : " قلوب بني آدم بين إصبعين من أصابع الرحمن كقلب واحد ، يصرفه كيف يشاء ") ظاهر الإصبع محال على الله تعالى قطعا لما قلناه آنفا ، ولأنه لو كانت له أعضاء وجوارح ؛ لكان كل جزء منه مفتقرا للآخر ، فتكون جملته محتاجة ، وذلك يناقض الإلهية ، وقد تأول بعض أئمتنا هذا الحديث فقال : هذا استعارة جارية مجرى قولهم : فلان في كفي ، وفي قبضتي . يراد به أنه متمكن من التصرف فيه والتصريف له ، كيف شاء ، وأمكن من ذلك في المعنى ، مع إفادة التيسير أن يقال : فلان بين إصبعي ، أصرفه كيف شئت . يعني : أن التصرف متيسر عليه غير متعذر . وقال بعضهم : يحتمل أن يريد بالإصبع هنا النعمة . وحكي أنه يقال : لفلان عندي إصبع حسنة ، أي : نعمة . كما قيل في اليد . فإن قيل : فلأي شيء ثنى الإصبع ، ونعمه كثيرة لا تحصى؟ قلنا : لأن النعم وإن كانت كذلك ، فهي قسمان : نفع ودفع ، فكأنه قال : قلوب بني آدم بين أن يصرف الله عنها ضرا ، وبين أن يوصل إليها نفعا .

[ ص: 673 ] قلت : وهذا لا يتم حتى يقال : إن بني آدم - هنا - يراد بهم الصالحون الذين تولى الله حفظ قلوبهم . وأما الكفار والفساق ، فقد أوصل الله تعالى إلى قلوبهم ما شاءه وبهم من الطبع والختم والرين ، وغير ذلك . وحينئذ يخرج الحديث عن مقصوده ، فالتأويل الأول أولى ، وقد قلنا : إن التسليم الطريق السليم .

و (قوله : " اللهم مصرف القلوب صرف قلوبنا إلى طاعتك ") هذا الكلام يعضد ذلك التأويل الأول ، وقد وقع هذا الحديث في غير كتاب مسلم فقال : " يا مقلب القلوب ثبت قلوبنا على طاعتك " . وهما بمعنى واحد ؛ وحاصله : أن أحوال القلوب منتقلة غير ثابتة ولا دائمة . فحق العاقل أن يحذر على قلبه من قلبه ، ويفرغ إلى ربه في حفظه .

التالي السابق


الخدمات العلمية