المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم

أبو العباس القرطبي - ضياء الدين أحمد بن عمر القرطبي

صفحة جزء
4870 (7) باب

تجديد الاستغفار والتوبة في اليوم مائة مرة

[ 2625 ] عن الأغر المزني - وكانت له صحبة - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : إنه ليغان على قلبي ، وإني لأستغفر الله في اليوم مائة مرة .

رواه أحمد (4 \ 260) ، ومسلم (2702)(41) ، وأبو داود (1515) .


[ ص: 26 ] [ (7) ومن باب : تجديد التوبة والاستغفار في اليوم مائة مرة ]

(قوله : " إنه ليغان على قلبي وإني لأستغفر الله في اليوم مائة مرة ) ليغان : ليغطى ، والغين : التغطية ، ومنه يقال للغيم : الغين ، لأنه يغطي . ولا يظن أن أحدا قال : إن قلب النبي - صلى الله عليه وسلم - تأثر بسبب ذنب وقع منه بغين أو رين ، أو طبع عليه ، فإن من جوز الصغائر على الأنبياء عليهم الصلاة والسلام ، لم يقل : إنها إذا وقعت منهم أثرت في قلوبهم كما تؤثر الذنوب في قلوب العصاة ، بل : هم مغفور لهم ومكرمون ، وغير مؤاخذين بشيء من ذلك ، فثبت بهذا أن ذلك الغين ليس هو بسبب ذنب ، ولكن اختلفوا في ذلك الغين . فقالت طائفة : إنه عبارة عن فترات وغفلات عن [ ص: 27 ] الذكر الذي كان دأبه ، فكان يستغفر الله من تلك الفترات ، وقيل : كان ذلك بسبب ما اطلع عليه من أحوال أمته ، وما يكون منها بعده ، فكان يستغفر الله لهم . وقيل : كان ذلك لما يشغله من النظر في أمور أمته ومصالحهم ، ومحاربة عدوه عن عظيم مقامه ، فكان يرى أن ذلك - وإن كان من أعظم الطاعات وأفضل الأعمال - نزول عن علو درجاته ورفعة مقامه ، فيستغفر ربه من ذلك ، وقيل : كان ذلك حال خشية وإعظام لله تعالى ، والاستغفار الذي صدر منه لم يكن لأجل ذلك الغين ، بل للقيام بالعبادة ، ألا ترى قوله في الحديث : " إنه ليغان على قلبي ، وإني لأستغفر الله " فأخبر بأمرين مستأنفين ليس أحدهما معلقا على آخر . وقال بعض أرباب الإشارات : إن النبي صلى الله عليه وسلم كان دائم الترقي في المقامات ، سريع التنقل في المنازلات ، فكان إذا ترقى من مقام إلى غيره اطلع على المنتقل عنه ، فظهر له : أنه نقص بالنسبة إلى المنتقل إليه ، فكان يستغفر الله من الأول ويتوب منه . كما قال في الحديث . وقد أشار الجنيد - رحمه الله - إلى هذا بقوله : حسنات الأبرار سيئات المقربين ، والله تعالى أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية