المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم

أبو العباس القرطبي - ضياء الدين أحمد بن عمر القرطبي

صفحة جزء
[ 2628 ] ونحوه عن أنس .

رواه أحمد (3 \ 101) ، والبخاري (6338) ، ومسلم (2678) .


[ ص: 29 ] (8) ومن باب : قوله : ليحقق الداعي طلبته وليعزم في دعائه .

قوله : " لا يقولن أحدكم : اللهم اغفر لي إن شئت ") إنما نهى الرسول صلى الله عليه وسلم عن هذا القول ; لأنه يدل على فتور الرغبة ، وقلة التهمم بالمطلوب . وكأن هذا القول يتضمن : أن هذا المطلوب إن حصل ، وإلا استغني عنه ، ومن كان هذا حاله لم يتحقق من حاله الافتقار والاضطرار الذي هو روح عبادة الدعاء ، وكان ذلك دليلا على قلة اكتراثه بذنوبه ، وبرحمة ربه ، وأيضا فإنه لا يكون موقنا بالإجابة ، وقد قال صلى الله عليه وسلم : " ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة ، واعلموا أن الله لا يستجيب دعاء من قلب غافل لاه " . ثم إن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكتف بالنهي عن ذلك حتى أمر بنقيضه فقال : " ليعزم في الدعاء " أي : ليجزم في طلبته ، وليحقق رغبته ويتيقن الإجابة ; فإنه إذا فعل ذلك : دل على علمه بعظيم قدر ما يطلب من المغفرة والرحمة ، وعلى أنه مفتقر لما يطلب ، مضطر إليه ، وقد وعد الله المضطر بالإجابة بقوله : أمن يجيب المضطر إذا دعاه [ النمل : 62 ]

و (قوله : " فإن الله صانع ما شاء لا مكره له ") إظهار لعدم فائدة تقييد الاستغفار والرحمة بالمشيئة ; لأن الله تعالى لا يضطره إلى فعل شيء ، دعاء ولا [ ص: 30 ] غيره ، بل يفعل ما يريد ويحكم ما يشاء ، ولذلك قيد الله تعالى الإجابة بالمشيئة في قوله : فيكشف ما تدعون إليه إن شاء [ الأنعام : 41 ] فلا معنى لاشتراط مشيئته فيما هذا سبيله ، فأما اشتراطها في الإيمان فقد تقدم القول فيه .

التالي السابق


الخدمات العلمية