المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم

أبو العباس القرطبي - ضياء الدين أحمد بن عمر القرطبي

صفحة جزء
4884 (12) باب

ما يقول عند النوم

وأخذ المضجع وما بعد ذلك

[ 2637 ] عن البراء بن عازب : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : إذا أخذت مضجعك فتوضأ وضوءك للصلاة ، ثم اضطجع على شقك الأيمن ، ثم قل : اللهم إني أسلمت وجهي إليك ، وفوضت أمري إليك ، وألجأت ظهري إليك ، رغبة ورهبة إليك ، لا ملجأ ولا منجا منك إلا إليك ، آمنت بكتابك الذي أنزلت وبنبيك الذي أرسلت ، واجعلهن من آخر كلامك ، فإن مت من ليلتك مت وأنت على الفطرة .

وفي رواية : وإن أصبحت أصبت خيرا .

قال : فرددتهن لأستذكرهن ، فقلت : آمنت برسولك الذي أرسلت ، قال : قل : آمنت بنبيك الذي أرسلت .


رواه أحمد (4 \ 290) ، والبخاري (6311) ، ومسلم (2710) (56 و 58) ، وأبو داود (5047) .


[ (12) ومن باب : ما يقول عند النوم وأخذ المضجع وما بعد ذلك ]

(قوله : " إذا أخذت مضجعك ، فتوضأ وضوءك للصلاة ، ثم اضطجع على شقك الأيمن ") هذا الأمر على جهة الندب ; لأن النوم وفاة ، وربما يكون موتا ، كما قال تعالى : الله يتوفى الأنفس حين موتها والتي لم تمت في منامها فيمسك التي قضى عليها الموت ويرسل الأخرى إلى أجل مسمى [ الزمر : 42] ولما كان الموت [ ص: 38 ] كذلك ندب النبي - صلى الله عليه وسلم - النائم إلى أن يستعد للموت بالطهارة ، والاضطجاع على اليمين ، على الهيئة التي يوضع عليها في قبره . وقيل : الحكمة في الاضطجاع على اليمين ، أن يتعلق القلب إلى الجانب الأيمن ، فلا يثقل النوم ، وفيه دليل على : أن النوم على طهارة كاملة أفضل ، ويتأكد الأمر في حق الجنب ، غير أن الشرع قد جعل وضوء الجنب عند النوم بدلا من غسله تخفيفا عنه ، وإلا فذلك الأصل يقتضي : ألا ينام حتى يغتسل . وقد تقدم القول في الأمر في حق الجنب عند النوم والطهارة .

و (قوله : " قل : اللهم إني أسلمت وجهي إليك " ، وفي رواية : " نفسي " بدل : وجهي ") وكلاهما بمعنى : الذات والشخص . فكأنه قال : أسلمت ذاتي وشخصي . وقد قيل : إن معنى الوجه : القصد ، والعمل الصالح ، ولذلك جاء في رواية : " أسلمت نفسي إليك ، ووجهت وجهي إليك " فجمع بينهما ، فدل ذلك على أنهما أمران متغايران كما قلناه . ومعنى أسلمت : سلمت ، واستسلمت ، أي : سلمتها لك ; إذ لا قدرة لي على تدبيرها ، ولا على جلب ما ينفعها ، ولا على دفع ما يضرها ، بل : أمرها إليك مسلم تفعل فيها ما تريد ، واستسلمت لما تفعل فيها ، فلا اعتراض على ما تفعل ، ولا معارضة .

و (قوله : " وفوضت أمري إليك ") أي : توكلت عليك في أمري كله ; لتكفيني همه ، وتتولى إصلاحه .

و (قوله : " وألجأت ظهري إليك ") أي : أسندته إليك لتقويه وتعينه على ما ينفعني ; لأن من استند إلى شيء تقوى به ، واستعان .

و (قوله : " رغبة ورهبة إليك ") أي : طمعا في رفدك وثوابك ، وخوفا منك ومن أليم عقابك .

[ ص: 39 ] و (قوله : " فإن مت مت على الفطرة ") أي : على دين الإسلام ، كما قال في الحديث الآخر : "من كان آخر كلامه : لا إله إلا الله دخل الجنة " .

قلت : هكذا قال الشيوخ في هذا الحديث ، وفيه نظر ; لأنه : إذا كان قائل هذه الكلمات المقتضية للمعاني التي ذكرناها من التوحيد والتسليم ، والرضا إلى أن يموت على الفطرة ، كما يموت من قال : لا إله إلا الله ، ولم يخطر له شيء من تلك الأمور ، فأين فائدة تلك الكلمات العظيمة ، وتلك المقامات الشريفة ؟ فالجواب : أن كلا منهما - وإن مات على فطرة الإسلام - فبين الفطرتين ما بين الحالتين ، ففطرة الطائفة الأولى : فطرة المقربين والصديقين ، وفطرة الثانية : فطرة أصحاب اليمين .

و (قوله : " وإن أصبحت أصبت خيرا ") أي : صلاحا في ذلك وزيادة في أجرك وأعمالك .

و (قوله : قل : آمنت بنبيك الذي أرسلت ") هذا حجة لمن لم يجز نقل الحديث بالمعنى ، وهو الصحيح من مذهب مالك ، وقد ذكرنا الخلاف فيه ، ولا [ ص: 40 ] شك في أن لفظ النبوة من النبأ ، وهو الخبر ، فالنبي في العرف : هو المنبأ من جهة الله تعالى لأمر يقتضي تكليفا ، فإن أمر بتبليغه إلى غيره فهو رسول ، وإلا فهو نبي غير رسول . وعلى هذا فكل رسول نبي ، وليس كل نبي رسولا ; لأن الرسول والنبي قد اشتركا في أمر عام وهو النبأ ، وافترقا في أمر خاص وهو الرسالة ، فإذا قلت : محمد رسول الله ، تضمن ذلك أنه نبي رسول ، فلما اجتمعا في النبي صلى الله عليه وسلم أراد أن يجمع بينهما في اللفظ حتى يفهم من كل واحد منهما من حيث النطق ما وضع له ، وأيضا فليخرج عما يشبه تكرار اللفظ من غير فائدة ; لأنه إذا قال : ورسولك ، فقد فهم منه أنه أرسله ، فإذا قال : الذي أرسلت ، صار كالحشو الذي لا فائدة له ، بخلاف : نبيك الذي أرسلت ، فإنهما لا تكرار فيهما ، لا محققا ولا متوهما . والله تعالى أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية