المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم

أبو العباس القرطبي - ضياء الدين أحمد بن عمر القرطبي

صفحة جزء
456 (21) باب

في الوضوء من المذي وغسل الذكر منه

[ 235 ] عن علي - رضي الله عنه - ; قال : كنت رجلا مذاء ، وكنت أستحيي أن أسأل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ; لمكان ابنته ، فأمرت المقداد بن الأسود . فسأله فقال : يغسل ذكره ، ويتوضأ .

وفي رواية : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : توضأ ، وانضح فرجك .

رواه أحمد ( 1 \ 79 ) ، والبخاري ( 269 ) ، ومسلم ( 203 ) ، وأبو داود ( 206 - 209 ) ، والترمذي ( 114 ) ، والنسائي ( 1 \ 96 - 97 ) .


[ ص: 562 ] (21) ومن باب الوضوء من المذي

(قول علي - رضي الله عنه - : " كنت رجلا مذاء ") أي : كثير المذي ، كما جاء عنه في كتاب أبي داود قال : " كنت ألقى من المذي شدة ، فكنت أغتسل منه حتى تشقق ظهري " . والمذي : ماء أبيض رقيق يخرج عند الملاعبة والتذكار ، أكثر خروجه من العزب ، وهو نجس باتفاق العلماء ، إلا ما يحكى عن أحمد بن حنبل من أنه طاهر كالمني عنده ، وهو خلاف شاذ ، وقد تقدم القول في نجاسة المني ، ويقال فيه : مذي ، بسكون الذال وتخفيف الياء . ومذي بكسر الذال ، وتشديد الياء ، ويقال : مذى وأمذى ، لغتان .

و (قوله : " فأمرت المقداد بن الأسود ") هو المقداد بن عمرو بن ثعلبة الكندي ، وإنما نسب للأسود لأنه كان في حجره ، وكان قد تبناه ، وقيل : حالفه ، وجاء في رواية أخرى : " أرسلنا المقداد إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فسأله عن المذي يخرج من الإنسان كيف يفعل به ؟ وهذا يدل على أنه لم يحضر مجلس السؤال ، ويتوجه على هذا إشكال ، وهو أن يقال : كيف اكتفى بخبر الواحد المفيد لغلبة الظن مع تمكنه من الوصول إلى اليقين بالمشافهة ؟ ويلزم منه جواز الاجتهاد مع القدرة على النص ، والجواب أن نقول : يحتمل أن يكون مع أمره بالذهاب إلى [ ص: 563 ] رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وإرساله حضر مجلس السؤال والجواب ، ولو سلمنا عدم ذلك قلنا : إن العمل بخبر الواحد جائز مع إمكان الوصول إلى اليقين ، إذا كان في الوصول إلى اليقين كلفة ومشقة ، فإن الصحابة رضوان الله عليهم كانوا يتناوبون حضور مجلس رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لسماع ما يطرأ فيه ، ويحدث من حضر لمن غاب ، والنبي - صلى الله عليه وسلم - كان يوجه ولاته وأمراءه ليعلموا الناس العلم آحادا ; مع تمكنه من إرسال عدد التواتر ، أو أمره أن يرتحل إليه عدد التواتر ليسمعوا منه ، ولم يفعل ذلك إسقاطا للمشقة ، ومجانبة للتعنيت والكلفة ، ولذلك قال تعالى : فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين [ التوبة : 122 ] ، والطائفة لا يحصل العلم بخبرهم إذ الفرقة أقلها ثلاثة . والطائفة منهم واحد أو اثنان ، ولا يلزم على ذلك تجويز الاجتهاد مع وجود النص ; لأنهم - رضي الله عنهم - لم يجتهدوا إلا حيث فقدوا النصوص القاطعة والمظنونة ، وذلك لأن الظن الحاصل من نصوص أخبار الآحاد أقوى من الظن الحاصل عن الاجتهاد ، وبيان ذلك : أن الوهم إنما يتطرق إلى أخبار الآحاد من جهة الطريق ، وهي جهة واحدة ، ويتطرق إلى الاجتهاد من جهات متعددة فانفصلا ، والله أعلم .

و (قوله : " يغسل ذكره ويتوضأ ") ظاهر هذا أنه يغسل جميع ذكره ; لأن الاسم للجملة ، وهو رأي المغاربة من أصحابنا ، وهل ذلك للعبادة فيفتقر إلى نية ، أو لقطع أصل المذي فلا يحتاج ؟ قولان لأبي العباس الإبياني وأبي محمد بن أبي زيد . وذهب بعض العراقيين من أصحابنا : إلى أنه يغسل موضع النجاسة فقط ، ولم يختلف العلماء أن المذي إذا خرج على الوجه المعتاد أنه ينقض الوضوء .

و (قوله في الرواية الأخرى : " توضأ وانضح فرجك ") النضح هنا : هو الغسل [ ص: 564 ] المذكور في الرواية المتقدمة ، والواو غير مرتبة ، ويحتمل أن يريد به : أن يرش ذكره بعد غسله أو وضوئه ; لينقطع أصل المذي أو يقل ، والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية