المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم

أبو العباس القرطبي - ضياء الدين أحمد بن عمر القرطبي

صفحة جزء
4896 [ 2647 ] وعن أبي موسى الأشعري ، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يدعو بهذا الدعاء : اللهم اغفر لي خطيئتي وجهلي وإسرافي في أمري ، وما أنت أعلم به مني ، اللهم اغفر لي جدي وهزلي وخطئي وعمدي ، وكل ذلك عندي ، اللهم اغفر لي ما قدمت وما أخرت وما أسررت وما أعلنت ، وما أنت أعلم به مني ، أنت المقدم وأنت المؤخر ، وأنت على كل شيء قدير .

رواه أحمد (4 \ 417) ، والبخاري (6399) ، ومسلم (2719) .


و (قوله : " اللهم اغفر لي جدي وهزلي ، وخطئي وعمدي ، وكل ذلك عندي ") قد تقدم القول في عصمة الأنبياء من الذنوب ، وفي معنى ذنوبهم غير مرة ، ونزيد هنا نكتتين :

إحداهما : أنا وإن قلنا : إن الذنوب تقع منهم ، غير أنهم يتوقعون وقوعها ، [ ص: 48 ] وأن ذلك ممكن ، وكانوا يتخوفون من وقوع الممكن المتوقع ، ويقدرونه واقعا فيتعوذون منه ، وعلى هذا فيكون قوله : " وكل ذلك عندي " أي : ممكن الوقوع عندي ، ودليل صحة ذلك أنهم مكلفون باجتناب المعاصي كلها كما كلفه غيرهم ، فلولا صحة إمكان الوقوع لما صح التكليف .

والثانية : أن هذه التعويذات ، وهذه الدعوات والتضرعات قيام بحق وظيفة العبودية ، واعتراف بحق الربوبية ، ليقتدي بهم مذنبو أممهم ، ويسلكوا مناهج سبلهم ، فتستجاب دعوتهم ، وتقبل توبتهم ، والله تعالى أعلم . وقد أطنب الناس في ذلك ، وما ذكرناه خلاصته .

و (قوله : " أنت المقدم وأنت المؤخر ") أي : المقدم لمن شئت بالتوبة والولاية والطاعة . والمؤخر لمن شئت بضد ذلك . والأولى : أنه تعالى مقدم كل مقدم في الدنيا والآخرة ، ومؤخر كل مؤخر في الدنيا والآخرة ، وهذان الاسمان من أسماء الله تعالى المزدوجة ، كالأول والآخر ، والمبدئ والمعيد ، والقابض والباسط ، والخافض والرافع ، والضار والنافع ، فهذه الأسماء لا تقال إلا مزدوجة ، كما جاءت في الكتاب والسنة . هكذا قال بعض العلماء ، ولم يجز أن يقال : يا خافض ، حتى يضم إليه : يا رافع .

التالي السابق


الخدمات العلمية