المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم

أبو العباس القرطبي - ضياء الدين أحمد بن عمر القرطبي

صفحة جزء
4906 (16) باب

التسلي عند الفاقات بالأذكار وما يدعى به عند الكرب

[ 2656 ] عن علي بن أبي طالب ، أن فاطمة - رضي الله عنها - اشتكت ما تلقى من الرحى في يدها ، وأتى النبي صلى الله عليه وسلم سبي ، فانطلقت فلم تجده ولقيت عائشة فأخبرتها ، فلما جاء النبي صلى الله عليه وسلم أخبرته عائشة بمجيء فاطمة إليها ، فجاء النبي صلى الله عليه وسلم إلينا وقد أخذنا مضاجعنا فذهبنا نقوم ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : على مكانكما ، فقعد بيننا حتى وجدت برد قدمه على صدري ، وقال : ألا أعلمكما خيرا مما سألتما ؟ إذا أخذتما مضاجعكما أن تكبرا الله أربعا وثلاثين وتسبحاه ثلاثا وثلاثين وتحمداه ثلاثا وثلاثين ، فهو خير لكما .

زاد في رواية : قال علي : ما تركته منذ سمعته من النبي صلى الله عليه وسلم . قيل له : ولا ليلة صفين ؟ قال : ولا ليلة صفين .

رواه أحمد (1 \ 136) ، والبخاري (3705) ، ومسلم (2727) .


(16) ومن باب : التسلي عند الفاقات بالأذكار

(قوله : إن فاطمة اشتكت ما تلقى من الرحى في يدها ) يعني : من مشقة الطحن في الرحى . وفي غير كتاب مسلم : أنها جرت بالرحى حتى مجلت يدها ، وقمت البيت حتى اغبر شعرها ، وخبزت حتى تغير وجهها . ففيه دليل على : أن المرأة وإن كانت شريفة ، عليها أن تخدم بيت زوجها ، وتقوم بعمله الخاص به . وبه قال بعض أهل العلم ، وقيل : ليس عليها شيء من ذلك ، سواء كانت شريفة أو دنيئة ، حكاه ابن خوازمنداد عن بعض أصحابنا ، ومشهور مذهب مالك الفرق بين الشريفة فلا يلزمها ، وبين من ليس كذلك فيلزمها . ومحمل هذا الحديث على أن فاطمة تبرعت بذلك ، ولا خلاف في استحباب ذلك لمن تبرع به ; لأنه معونة للزوج ، وهي مندوب إليها ، وقد تقدم هذا في النكاح . وفيه ما يدل على ما كان عليه ذلك الصدر الصالح من شظف العيش وشدة الحال ، وأن الله تعالى حماهم [ ص: 55 ] الدنيا ، مع أنه مكنهم منها ، وهي سنة الله في الأنبياء والأولياء ، كما قال صلى الله عليه وسلم : " أشد الناس بلاء الأنبياء ثم الأولياء ثم الأمثل فالأمثل " .

و (قوله : فجاء وقد أخذنا مضاجعنا ) كان هذا المجيء بالليل ; لأنه قد جاء في بعض طرقه أنه قال : طرقهما ليلا .

و (قوله : " على مكانكما ") أي : اثبتا على مكانكما والزماه . وقعود النبي صلى الله عليه وسلم بين ابنته وبين علي دليل على جواز مثل ذلك ، وأنه لا يعاب على من فعله إذا لم يؤد ذلك إلى اطلاع على عورة ، أو إلى شيء ممنوع شرعا .

و (قوله : " ما ألفيتيه عندنا ") أي : ما وجدت الخادم عندنا ، ثم إنه أحالهما على التسبيح والتهليل والتكبير ; ليكون ذلك عوضا من الدعاء عند الكرب والحاجة ، كما كانت عادته عند الكرب على ما يأتي في الحديث المذكور بعد هذا . ويمكن أن يكون من جهة أنه أحب لابنته ما يحب لنفسه ، إذ كانت بضعة منه ، من [ ص: 56 ] إيثار الفقر ، وتحمل شدته والصبر عليه ، ترفيعا لمنازلهم وتعظيما لأجورهم ، وبهذين المعنيين ، أو أحدهما تكون تلك الأذكار خيرا لهما من خادم ; أي من التصريح بسؤال خادم ، والله تعالى أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية