المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم

أبو العباس القرطبي - ضياء الدين أحمد بن عمر القرطبي

صفحة جزء
4926 (21) باب

الدعاء بصالح ما عمل من الأعمال

[ 2664 ] عن ابن عمر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أنه قال : بينما ثلاثة نفر - في رواية : ممن كان قبلكم - يتمشون ، أخذهم الطوفان فأووا إلى غار في جبل ، فانحطت على فم غارهم صخرة من الجبل ، فانطبقت عليهم ، فقال بعضهم لبعض : انظروا أعمالا عملتموها صالحة لله فادعوا الله تعالى بها ، لعل الله يفرجها عنكم ، فقال أحدهم : اللهم ، إنه كان لي والدان شيخان كبيران وامرأتي ، ولي صبية صغار أرعى عليهم ، فإذا أرحت عليهم حلبت فبدأت بوالدي ، فسقيتهما قبل بني ، وإني نأى بي ذات يوم الشجر فلم آت حتى أمسيت ، فوجدتهما قد ناما ، فحلبت كما كنت أحلب ، فجئت بالحلاب ، فقمت عند رؤوسهما أكره أن أوقظهما من نومهما ، وأكره أن أسقي الصبية قبلهما ، والصبية يتضاغون عند قدمي ، فلم يزل ذلك دأبي ودأبهم حتى طلع الفجر ، فإن كنت تعلم أني فعلت ذلك ابتغاء وجهك فافرج لنا منها فرجة نرى منها السماء ، ففرج الله منها فرجة فرأوا منها السماء .

وقال الآخر : اللهم إني كانت لي ابنة عم أحببتها كأشد ما يحب الرجال النساء ، وطلبت إليها نفسها ، فأبت حتى آتيها بمائة دينار ، فتعبت حتى جمعت مائة دينار - وفي رواية : عشرين ومائة - فجئتها بها ، فلما وقعت بين رجليها قالت : يا عبد الله ، اتق الله ولا تفتح الخاتم إلا بحقه ، فقمت عنها ، فإن كنت تعلم أني فعلت ذلك ابتغاء وجهك فافرج لنا منها فرجة ، ففرج لهم .

وقال الآخر : اللهم إني كنت استأجرت أجيرا بفرق أرز ، فلما قضى عمله قال : أعطني حقي ، فعرضت عليه فرقه فرغب عنه ، فلم أزل أزرعه حتى جمعت منه بقرا ورعاءها ، فجاءني فقال : اتق الله ، ولا تظلمني حقي ، قلت : اذهب إلى تلك البقر ورعائها فخذها ، فقال : اتق الله ، ولا تستهزئ بي ، فقلت : إني لا أستهزئ بك ، خذ ذلك البقر ورعاءها ، فأخذه فذهب به ، فإن كنت تعلم أني فعلت ذلك ابتغاء وجهك فافرج لنا ما بقي ، ففرج الله ما بقي .
وفي رواية : وخرجوا يمشون .

رواه البخاري (2215) ، ومسلم (2743) .


[ ص: 64 ] (21) ومن باب : الدعاء بصالح ما عمل من الأعمال

غريب حديث الغار : الطوفان هنا : المطر الكثير . وأووا إلى غار : أي : انضموا ، وقد تقدم أنه يمد ويقصر . فانحطت : نزلت . فأطبقت عليهم ; أي : صارت على باب الغار كالطبق ، وأرعى عليهم : أي أرعى الماشية وأكتسب بها لأجل العيال والأبوين . ونأى بي الشجر ; أي : بعد عليه ابتغاء الشجر الذي رعاه بماشيته . والحلاب : إناء يحلب فيه ، وهو المحلب أيضا ، وقد يكون اللبن . ويتضاغون : يضجون من الجوع ، والضغاء ممدود ، مضموم الأول ، صوت الذلة والفاقة . والدأب : الحال اللازمة ، والعادة المتكررة . وافرج : افتح . والفرجة بضم الفاء ; لأنه من السعة ، فإذا كان بمعنى الراحة قلت فيه : فرجة وفرج ، وفعل كل واحد منهما : فرج ، بالفتح والتخفيف ، يفرج ، بالضم لا غير . والغبوق : شرب العشي ، والصبوح : شرب الصباح ، والجاشرية : عند انغلاق الفجر ، يقال : جشر الصبح ، أي : انفلق . وبغيت : طلبت .

[ ص: 65 ] و (قوله : لا تفض الخاتم إلا بحقه ) الفض : الكسر والفتح ، والخاتم : كناية عن الفرج ، وعذرة البكارة ، وحقه : التزويج المشروع . والفرق : مكيال يسع [ ص: 66 ] ثلاثة آصع ، ويقال : بفتح الراء ، وهو الأفصح ، وقال ابن دريد : ويقال بسكونها ، وقد أنكره غيره ، وفيه أبواب من الفقه لا تخفى .

التالي السابق


الخدمات العلمية