المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم

أبو العباس القرطبي - ضياء الدين أحمد بن عمر القرطبي

صفحة جزء
4941 [ 2675 ] وعن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : لما قضى الله الخلق كتب في كتاب على نفسه - فهو موضوع عنده - : إن رحمتي تغلب غضبي .

رواه أحمد (2 \ 381) ، والبخاري (7554) ، ومسلم (2751) .


[ ص: 82 ] و (قوله : " لما قضى الله الخلق : كتب في كتاب عنده ، على نفسه ") أي : لما أظهر قضاءه ، وأبرز أمره لمن شاء ، أظهر كتابا في اللوح المحفوظ ، أو فيما شاءه ، فقضاه خبر حق ، ووعد صدق : " إن رحمتي تغلب غضبي " أي : تسبقه وتزيد عليه . وقد تقدم القول في غضب الله ورضاه ، وأن ذينك يرجعان إلى إرادته ، وإلى متعلقها من إيصال المنافع والألطاف إلى المرحوم ، أو إيصال المضار والانتقام للمغضوب عليه ، فيرجع غضبه إذا ورحمته إلى الأفعال ، وهو المراد بهذا الحديث . وإذا ظهر هذا فمعنى غلبة الرحمة ، أو سبقها على ما جاء في الرواية الأخرى : أن رفقه بالخلق وإنعامه عليهم ، ولطفه بهم ، أكثر من انتقامه وأخذه ، كيف لا ، وابتداؤه الخلق وتكميله وإتقانه ، وترتيبه ، وخلق أول نوع الإنسان في الجنة ، كل ذلك رحمته السابقة ، وكذلك ما رتب على ذلك من النعم والألطاف في الدنيا والآخرة ، وكل ذلك رحمات متلاحقات ، ولو بدأ بالانتقام لما كمل لهذا العالم نظام . ثم العجب أن الانتقام به كملت الرحمة والإنعام ، وذلك أن بانتقامه من الكافرين كملت رحمته على المؤمنين ، وبذلك حصل صلاحهم وإصلاحهم ، وتم لهم دينهم وفلاحهم ، وظهر لهم قدر نعمة الله عليهم في صرف ذلك الانتقام عنهم ، فقد ظهر أن رحمته سبقت غضبه ، وإنعامه غلب انتقامه .

التالي السابق


الخدمات العلمية