المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم

أبو العباس القرطبي - ضياء الدين أحمد بن عمر القرطبي

صفحة جزء
5261

(3) باب

ما يحذر من بسط الدنيا ومن التنافس

[ 2692 ] عن عمرو بن عوف - وهو حليف بني عامر بن لؤي - وكان شهد بدرا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث أبا عبيدة بن الجراح إلى البحرين يأتي بجزيتها ، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم هو صالح أهل البحرين وأمر عليهم العلاء بن الحضرمي ، فقدم أبو عبيدة بمال من البحرين ، فسمعت الأنصار بقدوم أبي عبيدة ، فوافوا صلاة الفجر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فلما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم انصرف ، فتعرضوا له ، فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم حين رآهم ، ثم قال : أظنكم سمعتم أن أبا عبيدة قدم بشيء من البحرين ؟ فقالوا : أجل يا رسول الله ، قال : فأبشروا وأملوا ما يسركم ، فوالله ما الفقر أخشى عليكم ، ولكني أخشى عليكم أن تبسط الدنيا عليكم كما بسطت على من كان قبلكم فتنافسوها كما تنافسوها ، وتهلككم كما أهلكتهم .

وفي رواية : وتلهيكم كما ألهتهم ، بدل (فتهلككم) .

رواه أحمد (4 \ 327) ، والبخاري (3158) ، ومسلم (2961) ، والترمذي (2462) ، وابن ماجه (3997) .


و (قوله : فوافوا صلاة الفجر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ) أي : جاؤوا فاجتمعوا عند صلاة الصبح معه ليقسم بينهم ما جاء به أبو عبيدة ; لأنهم أرهقتهم الحاجة والفاقة التي كانوا عليها ، لا الحرص على الدنيا ، ولا الرغبة فيها ، ولذلك قال لهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " أبشروا وأملوا ما يسركم " ، وهذا تهوين منه عليهم ما هم فيه من الشدة ، وبشارة لهم بتعجيل الفتح عليهم .

و (قوله : " والله ما الفقر أخشى عليكم ") الفقر منصوب على أنه مفعول مقدم [ ص: 113 ] بـ (أخشى) ، ولا يجوز رفعه إلا على وجه بعيد ، وهو أن يحذف ضمير المفعول ، ونعامله معاملة الملفوظ ، كما قال امرؤ القيس :


. . . . . . . . . فثوبا نسيت وثوبا أجر

فكأنه قال : فثوب نسيته ، وثوب أجره ، وهي قليلة بعيدة . وفيه ما يدل على أن الفقر أقرب للسلامة ، والاتساع في الدنيا أقرب للفتنة ، فنسأل الله الكفاف والعفاف .

و (قوله : " فتنافسوها كما تنافسوها ") أي : تتحاسدون فيها ، فتختلفون وتتقاتلون فيهلك بعضكم بعضا ، كما قد ظهر ووجد ، وقد سمى في هذا الحديث التحاسد تنافسا ; توسعا ، لقرب ما بينهما ، وقد بينا حقيقة كل واحد منهما فيما تقدم ، ومعنى تلهيكم : تشغلكم عن أمور دينكم ، وعن الاستعداد لآخرتكم .

التالي السابق


الخدمات العلمية