المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم

أبو العباس القرطبي - ضياء الدين أحمد بن عمر القرطبي

صفحة جزء
5299 (11) باب

كرامة من قنع بالكفاف وتصدق بالفضل

[ 2712 ] عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال : بينا رجل بفلاة من الأرض فسمع صوتا في سحابة : اسق حديقة فلان ، فتنحى ذلك السحاب فأفرغ ماءه في حرة ، فإذا شرجة من تلك الشراج قد استوعبت ذلك الماء كله ، فتتبع الماء فإذا رجل قائم في حديقته يحول الماء بمسحاته ، فقال له : يا عبد الله ما اسمك ؟ قال : فلان ، للاسم الذي سمع في السحاب ، فقال له : يا عبد الله لم تسألني عن اسمي ؟ فقال : إني سمعت صوتا في السحاب الذي هذا ماؤه يقول : اسق حديقة فلان ، لاسمك ، فما تصنع فيها ؟ قال : أما إذ قلت هذا ، فإني أنظر إلى ما يخرج منها فأتصدق بثلثه وآكل أنا وعيالي ثلثا وأرد فيها ثلثه .

وفي رواية : وأجعل ثلثه في المساكين والسائلين وابن السبيل .

رواه مسلم (2984) .


(11 و 12 و 13) ومن باب : كرامة من قنع بالكفاف ، والاجتهاد في العبادة وفي التواضع

الفلاة من الأرض : هي القفر . والحديقة : البستان ، وسميت بذلك ; لأنها أحدق بها حاجز . قالوا : وأصله كل ما أحاط به البناء . والحديقة أيضا : القطعة من النخل . والحرة : أرض ذات حجارة سود ، كأنها أحرقت بالنار . والشرجة : مسيل الماء ، وهي بفتح الشين ، وسكون الراء ، وتجمع : شراج وشروج . ومن قال : شرجة -بفتح الراء - فقد أخطأ المعروف من اللغة . واستوعبت : جمعت . فتتبع الماء ; أي : تبعه .

و (قوله : تنحى ذلك السحاب ) أي : اعتمد وقصد . والنحو في أصله : هو القصد . وفى هذا الحديث دليل على صحة القول بكرامات الأولياء ، وأن الولي قد [ ص: 138 ] يكون له مال وضيعة ، ولا يناقضه قوله صلى الله عليه وسلم : " لا تتخذوا الضيعة فتركنوا إلى الدنيا " لما قدمنا من أن المقصود بالنهي إنما هو : من اتخذها مستكثرا ومتنعما ومتمتعا بزهرة الدنيا ، لما يخاف عليه من الميل إلى الدنيا والركون إليها ، وأما من اتخذها معاشا يصون بها دينه وعياله ، فاتخاذها بهذه النية من أفضل الأعمال . وهي من أفضل الأموال .

التالي السابق


الخدمات العلمية