المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم

أبو العباس القرطبي - ضياء الدين أحمد بن عمر القرطبي

صفحة جزء
5115 (3) باب

سؤال الملكين للعبد حين يوضع في القبر

وقوله تعالى : يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت

[ 2724 ] عن أنس بن مالك قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن العبد إذا وضع في قبره وتولى عنه أصحابه ، إنه ليسمع قرع نعالهم ، قال : يأتيه ملكان فيقعدانه فيقولان له : ما كنت تقول في هذا الرجل ؟ قال : فأما المؤمن فيقول : أشهد أنه عبد الله ورسوله ، قال : فيقال له : انظر إلى مقعدك من النار قد أبدلك الله به مقعدا من الجنة ، قال نبي الله صلى الله عليه وسلم : فيراهما جميعا .

قال قتادة : وذكر لنا أنه يفسح له في قبره سبعون ذراعا ، ويملأ عليه خضرا إلى يوم يبعثون .

رواه أحمد (3 \ 126) ، والبخاري (1338) ، ومسلم (2870) ، والنسائي (4 \ 97) .


[ ص: 147 ] و (قوله : " إن العبد إذا وضع في قبره وتولى عنه أصحابه إنه ليسمع قرع نعالهم ") هذا نص في أن الميت يسمع ، وقد تقدم الكلام في هذا وفي إنكار عائشة رضي الله عنها إياه على ابن عمر في كتاب الجنائز .

و (قوله : " فيقال له : انظر إلى مقعدك من النار ") أي : لو لم تؤمن ولم تقم بحجتك ، قد أبدلك الله تعالى به مقعدا من الجنة لما قمت بحجتك .

و (قوله : " فيراهما جميعا ") يدل على أن رؤيته لهما حقيقة بالعين ، وعلى هذا فيحيا الميت في قبره حياة محققة بحيث يرى ويسمع ويسأل ويتكلم ، وعلى هذا تدل أدلة الكتاب والسنة في غير ما موضع . والحكمة في أن الله تعالى يريه إياهما ليعلم قدر نعمة الله ، فيما صرف عنه من عذاب جهنم ، وفيما أوصل إليه من كرامة الجنة .

و (قوله : " فيفسح له في قبره ") أي : يوسع له فيه سبعون ذراعا ، فيحتمل البقاء على ظاهره ، ويكون معناه : أنه ترفع الموانع عن بصره ، فيبصر مما يجاوره مقدار سبعين ذراعا ، حتى لا تناله ظلمة القبر ولا ضيقه ، متى رد روحه فيه إليه .

[ ص: 148 ] ويحتمل أن يكون ذلك كله استعارة عن سعة رحمة الله تعالى له ، وإكرامه إياه . والأول أولى ، والله تعالى أعلم .

و (قوله : " ويملأ عليه خضرا ") أي : نعما غضة ناعمة ، وأصله من خضرة الشجر ، والخضر - بكسر الضاد - : اسم جنس للنبات الرطب الأخضر .

التالي السابق


الخدمات العلمية