المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم

أبو العباس القرطبي - ضياء الدين أحمد بن عمر القرطبي

صفحة جزء
5106 [ 2735 ] وعن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم : يوم يقوم الناس لرب العالمين [ المطففين : 6 ] قال : يقوم أحدهم في رشحه إلى أنصاف أذنيه .

رواه البخاري (6531) ، ومسلم (2862) ، والترمذي (2424 و 3333) .


[ ص: 155 ] (7 و 8) ومن باب : دنو الشمس من الخلائق يوم القيامة والمحاسبة

(قوله : " تدنى الشمس يوم القيامة ") أي : تقرب . والميل : اسم مشترك بين مسافة الأرض ، والمرود الذي تكحل به العين . ولذلك أشكل المراد على سليم بن عامر ، والأولى به هنا : مسافة الأرض ; لأنها إذا كان بينها وبين الرؤوس مقدار المرود فهي متصلة بالرؤوس لقلة مقدار المرود .

و (قوله : " ويكون الناس في العرق على قدر أعمالهم ، فمنهم من يكون إلى كعبيه ، ومنهم من يكون إلى ركبتيه ، ومنهم من يكون إلى حقويه ، ومنهم من يلجمه العرق إلجاما ") وقد تقدم أن الحقوين : الخصران . وقيل : هما طرفا [ ص: 156 ] الوركين ، والأول المعروف . وهذا العرق إنما هو لشدة الضغط ، وحر الشمس التي على الرؤوس بحيث تغلي منها الهام ، وحرارة الأنفاس ، وحرارة النار المحدقة بأرض المحشر ، ولأنها تخرج منها أعناق تلتقط الناس من الموقف ، فترشح رطوبة الأبدان من كل إنسان بحسب عمله ، ثم يجمع عليه ما يرشح منه بعد أن يغوص عرقهم في الأرض مقدار سبعين باعا ، أو ذراعا ، أو عاما ، على اختلاف الروايات ، فإن قيل : فعلى هذا يكون الناس في مثل البحر من العرق ، فيلزم أن يسبح الكل فيها سبحا واحدا ، فكيف يكونون متفاضلين بعضهم إلى عقبيه ، وبعضهم إلى فمه ، وما بينهما . قلنا : يزول هذا الاستبعاد بأوجه ، أقربها وجهان :

أحدهما : أن يخلق الله تعالى ارتفاعا في الأرض التي تحت قدم كل إنسان بحسب عمله ، فيرتفع عن الأرض بحسب ارتفاع ما تحته .

وثانيهما : أن يحشر الناس جماعات في تفرقة ، فيحشر كل من يبلغ عرقه إلى [ ص: 157 ] كعبيه في جهة ، وكل من يبلغ حقويه في جهة ، وهكذا . والقدرة صالحة لأن تمسك عرق كل إنسان عليه بحسب عمله ، فلا يتصل بغيره ، وإن كان بإزائه ، كما قد أمسك جرية البحر لموسى - عليه السلام - حيث طلب لقاء الخضر ، ولبني إسرائيل حين اتبعهم فرعون ، والله تعالى أعلم بالواقع من هذه الأوجه . والحاصل أن هذا المقام مقام هائل لا تفي بهوله العبارات ، ولا تحيط به الأوهام ، ولا الإشارات ، وأبلغ ما نطق به في ذلك الناطقون : قل هو نبأ عظيم أنتم عنه معرضون [ ص : 67 - 68 ]

التالي السابق


الخدمات العلمية