المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم

أبو العباس القرطبي - ضياء الدين أحمد بن عمر القرطبي

صفحة جزء
5093 [ 2741 ] وعن حارثة بن وهب الخزاعي قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ألا أخبركم بأهل الجنة ؟ كل ضعيف متضعف ، لو أقسم على الله لأبره ، ألا أخبركم بأهل النار ؟ كل جواظ زنيم متكبر .

وفي رواية : عتل ، ولم يذكر (زنيم)

رواه البخاري (6071) ، ومسلم (2853) (46 و 47) ، والترمذي (2608) .


و (قوله : " ألا أخبركم بأهل الجنة : كل ضعيف متضعف ") الصحيح في [ ص: 169 ] متضعف : فتح العين ، على أنه اسم مفعول ، وكذا وجدته في كتاب الشيخ أبي الصبر ، ويعني بذلك : أن الغالب على صفة أهل الجنة الضعيف عن نيل الدنيا ، ومالها ، وجاهها ، ومناصبها ، وإيثار الخمول والتواضع فيها ، يلبسون زري الملابس ، ولا يلتفتون إلى فاخر المراكب ، ولا إلى صدور المجالس ، علما منهم بأنهم على جادة سفر ، وأن الدنيا ليست بمقر ، فأحوالهم أحوال المسافرين المرملين . فهم كما وصفهم النبي صلى الله عليه وسلم بقوله : " رب أشعث أغبر ذي طمرين لو أقسم على الله لأبره " . والأشعث : المتلبد الشعر ، والأغبر : الذي علته غبرة الغبار . والأطمار : الثياب الرثة . ولا يؤبه له : لا يلتفت إليه . يقال : فلان لا يؤبه ، ولا يؤبه له ; أي : لا يبالى به . ابن السكيت : ما وبهت به ، وما وبهت له ; أي : ما فطنت له . وأنت تيبه ، بكسر التاء مثل تيجل ; أي : تبالي . فإن قيل : كيف تكون هذه أوصاف أهل الجنة ، وكيف تحمد هذه الأوصاف وقد أمر الشرع بالنظافة والزينة في الجمع والأعياد والتطيب ، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يتطيب ويتنظف ، ويتزين للوفود وللجمع والأعياد ؟ قلنا : لا تناقض بين هذا وبين ما وصف به النبي صلى الله عليه وسلم أهل الجنة ، فإنه صلى الله عليه وسلم إنما وصف هؤلاء القوم بأغلب أحوالهم . وغالب أحوالهم : ملازمة الأسفار الشرعية من الحج والجهاد ، والسياحة في الأرض ، والفرار بأديانهم من الفتن . ومع ذلك كله فيتنظفون النظافة الشرعية ، ويتزينون التزين الشرعي إذا حضر وقته وأمكنهم ذلك ، ويحضرون جماعات المسلمين وجمعاتهم . فهم مع الناس كائنون ، وعنهم بائنون ، داخلون في غمارهم ، ومستترون بخمولهم وأطمارهم ، وقد توجهوا إلى الحق وأعرضوا عن الخلق . وعلى الجملة فمقصود هذا الحديث أن أحوال أهل الجنة على النقيض من أحوال أهل النار ، ألا ترى أنه [ ص: 170 ] قابل صفات أهل الجنة وذكر نقائضها في أهل النار ؟ فقال : وأهل النار كل جواظ ، زنيم ، متكبر ، عتل . فالجواظ : الجموع المنوع . حكاه الهروي . وقال غيره : الكثير اللحم المختال ، يقال : جاظ يجوظ جوظا : إذا كان كذلك . وقال ابن دريد : هو الجافي القلب . والعتل ، قيل : الجافي الشديد الخصومة . وقيل : هو الأكول الشروب الظلوم . والعتل : هو العنف . ومنه سميت القسي الفارسية : عتلا لشدتها ، والزنيم هنا : هو الذي يعرف بالشر ، كما تعرف الشاة بزنمتها . وقيل : هو اللئيم ، وأما الزنيم المذكور في الآية ، فقيل : إنه رجل بعينه له زنمة كزنمة التيس ، وهي الغديرة المتعلقة بعنقه . وقيل : هو الوليد ، وكان له زنمة تحت أذنه ، وقيل : هو الملصق بالقوم وليس منهم ، وقيل : هو الأخنس بن شريق . وكان حليفا ملحقا . والمتكبر : الموصوف بالكبر المستعمل له ، وقد بينا الكبر فيما تقدم .

التالي السابق


الخدمات العلمية