المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم

أبو العباس القرطبي - ضياء الدين أحمد بن عمر القرطبي

صفحة جزء
5059 (11) باب

في غرف الجنة وتربتها وأسواقها

[ 2749 ] عن سهل بن سعد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : إن أهل الجنة ليتراءون أهل الغرف من فوقهم كما تتراءون الكوكب الدري الغابر من الأفق ، من المشرق أو المغرب ; لتفاضل ما بينهم . قالوا : يا رسول الله تلك منازل الأنبياء لا يبلغها غيرهم ؟ قال : بلى ، والذي نفسي بيده ، رجال آمنوا بالله وصدقوا المرسلين .

رواه أحمد (5 \ 340) ، والبخاري (6555) ، ومسلم (2830) ، وهو عند ابن حبان (209) كما في التلخيص . ورواه مسلم بطوله من حديث أبي سعيد الخدري (2831) (11) .


[ ص: 175 ] (11 و 12 و 13 و 14) ومن باب : غرف الجنة

قوله : " إن أهل الجنة ليتراءون أهل الغرف من فوقهم كما تتراءون الكوكب الدري ") يعني : أن أهل السفل من الجنة ينظرون إلى من فوقهم على تفاوت منازلهم ، كما ينظر من على الأرض دراري السماء ، على تفاوت منازلها . فيقال : هذا منزل فلان ، كما يقال : هذا المشتري مثلا ، أو الزهرة ، أو المريخ ، وقد بين ذلك بقوله : " لتفاوت ما بينهما " وسمي الكوكب دريا لبياضه وصفائه ، وقيل : لأنه شبه بالدر في صفائه .

و (قوله : " الغابر من الأفق ، من المشرق أو المغرب ") الرواية المشهورة : الغابر ، بواحدة ، ومعناه الذاهب والباقي ، على اختلاف المفسرين ، وغبر من الأضداد . يقال : غبر : إذا ذهب ، وغبر : إذا بقي ، ويعني به : أن الكوكب حالة طلوعه وغروبه بعيد عن الأبصار ، فيظهر صغيرا لبعده ، وقد بينه بقوله : في الأفق من المشرق أو المغرب ، والأفق : ناحية السماء ، وهو بضم الهمزة والفاء وبسكونها ، [ ص: 176 ] كما يقال : عشر وعشر ، وجمعه : آفاق ، وقد قيدنا تلك اللفظة على من يوثق به : الغائر - بالهمز - اسم فاعل من غار . وقد روي في غير مسلم : الغارب ، بتقديم الراء ، ويروى : العازب بالعين المهملة والزاي ; أي : البعيد ، ومعانيها كلها متقاربة . ومن الأفق : رويناه بـ (من) التي لابتداء الغاية ، وهي الظرفية ، وأما من المشرق ، فلم يرو في كتاب مسلم إلا بـ (من) . وقد رواه البخاري في المشرق بـ (في) وهي أوضح ، فأما من رواهما بـ (من) في الموضعين فأوجه ما فيهما أن تكون الأولى لابتداء الغاية ، والثانية بدل منها مبينة لها . وقيل : إنها في قوله : من المشرق ; لانتهاء الغاية ، وهو خروج عن أصلها ، وليس معروفا عند أكثر النحويين .

و (قولهم : تلك منازل الأنبياء لا يبلغها غيرهم ؟ قال : " بلى ، والذي نفسي بيده ، رجال آمنوا بالله وصدقوا المرسلين ") كذا وقع هنا هذا الحرف . بلى ; التي أصلها حرف جواب وتصديق ، وليس هذا موضعها ; لأنهم لم يستفهموا ، وإنما أخبروا أن تلك المنازل للأنبياء لا لغيرهم . فجواب هذا يقتضي : أن تكون (بلى) التي للإضراب عن الأول وإيجاب المعنى للثاني ، فكأنه تسومح فيها ، فوضعت بلى موضع بل . و : رجال ، مرفوع بالابتداء المحذوف ، تقديره : هم رجال . وفيه أيضا توسع ; أي : تلك المنازل منازل رجال آمنوا بالله ، أي : حق إيمانه ، وصدقوا المرسلين ، أي : حق تصديقهم ، وإلا فكل من يدخل الجنة آمن بالله ، وصدق رسله ، ومع ذلك فهم متفاوتون في الدرجات والمنازل ، وهذا واضح .

التالي السابق


الخدمات العلمية