المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم

أبو العباس القرطبي - ضياء الدين أحمد بن عمر القرطبي

صفحة جزء
5068 [ 2757 ] وعن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : من يدخل الجنة ينعم ولا يبأس ، لا تبلى ثيابه ولا يفنى شبابه .

رواه مسلم (2836) .


و (قوله : " خلق الله آدم على صورته ") هذا الضمير عائد على أقرب مذكور ، وهو آدم ، وهو أعم ، وهذا الأصل في عود الضمائر ، ومعنى ذلك : أن الله تعالى أوجده على الهيئة التي خلقه عليها لم ينتقل في النشأة أحوالا ، ولا تردد في الأرحام أطوارا ; إذ لم يخلقه صغيرا فكبر ، ولا ضعيفا فقوي ، بل خلقه رجلا كاملا سويا قويا ، بخلاف سنة الله في ولده ، ويصح أن يكون معناه للإخبار عن أن الله تعالى خلقه يوم خلقه على الصورة التي كان عليها بالأرض ، وأنه لم يكن في الجنة على صورة أخرى ، ولا اختلفت صفاته ، ولا صورته ، كما تختلف صور الملائكة [ ص: 184 ] والجن ، والله تعالى أعلم . ولو سلمنا أن الضمير عائد على الله تعالى لصح أن يقال هنا : إن الصورة بمعنى الصفة ، وقد بيناه فيما تقدم . وقد ذكرنا في قوله : " أول زمرة يدخلون الجنة على صورة القمر " فإن معناه على صفته من الإضاءة ، لا على صورته من الاستدارة .

و (قوله : " فلما خلقه الله قال : اذهب فسلم على أولئك النفر ، وهم نفر من الملائكة جلوس ") الكلام إلى آخره دليل على تأكد حكم السلام ، فإنه مما شرع وكلف به آدم ، ثم لم ينسخ في شريعة من الشرائع ، فإنه تعالى أخبره أنها تحيته وتحية ذريته من بعده ، ثم لم يزل ذلك معمولا به في الأمم على اختلاف شرائعها ، إلى أن انتهى ذلك إلى نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ، فأمر به وبإفشائه ، وجعله سببا للمحبة [ ص: 185 ] الدينية ، ولدخول الجنة العلية ، وهذا كله يشهد لمن قال بوجوبه ، وهو أحد القولين للعلماء ، وقد تقدم القول في ذلك .

التالي السابق


الخدمات العلمية