المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم

أبو العباس القرطبي - ضياء الدين أحمد بن عمر القرطبي

صفحة جزء
473 (24) باب

الولد من ماء الرجل وماء المرأة

[ 245 ] عن ثوبان ; مولى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : كنت قائما عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - . فجاء حبر من أحبار اليهود . فقال : السلام عليك يا محمد ؟ فدفعته دفعة كاد يصرع منها . فقال : لم تدفعني ؟ فقلت : ألا تقول يا رسول الله ! فقال اليهودي : إنما ندعوه باسمه الذي سماه به أهله . فقال : رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : إن اسمي محمد الذي سماني به أهلي ، فقال اليهودي : جئت أسألك . فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : أينفعك شيء إن حدثتك ؟ قال : أسمع بأذني . فنكت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعود معه ، فقال : سل ، فقال اليهودي : أين يكون الناس يوم تبدل الأرض غير الأرض والسماوات ؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : هم في الظلمة دون الجسر ، قال : فمن أول الناس إجازة ؟ قال : فقراء المهاجرين ، قال اليهودي : فما تحفتهم حين يدخلون الجنة ؟ قال : زيادة كبد النون . قال : فما غداؤهم على إثرها ؟ قال : ينحر لهم ثور الجنة الذي كان يأكل من أطرافها ، قال : فما شرابهم عليه ؟ قال : من عين فيها تسمى سلسبيلا ، قال : صدقت . قال : وجئت أسألك عن شيء لا يعلمه أحد من أهل الأرض إلا نبي ، أو رجل ، أو رجلان . قال : ينفعك إن حدثتك ؟ قال : أسمع بأذني . قال : جئت أسألك عن الولد ؟ قال : ماء الرجل أبيض ، وماء المرأة أصفر ، فإن اجتمعا ، فعلا مني الرجل مني المرأة ، أذكرا بإذن الله ، وإذا علا مني المرأة مني الرجل ، آنثا بإذن الله قال اليهودي : لقد صدقت ، وإنك لنبي . ثم انصرف فذهب . فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : لقد سألني هذا عن الذي سألني عنه ، وما لي علم بشيء منه ، حتى أتاني الله به .

رواه مسلم ( 315 ) .


[ ص: 573 ] (24) ومن باب : الولد من ماء الرجل والمرأة

الحبر : العالم ، يقال بفتح الحاء وكسرها ، فأما الحبر للمداد فبالكسر لا غير .

ونكت النبي - صلى الله عليه وسلم - الأرض بعود معه : هو ضربه فيها ، وهذا العود هو المسمى : بالمخصرة ، وهو الذي جرت عوائد رؤساء العرب وكبرائهم باستعمالها ، بحيث تصل إلى خصره ، ويشغل بها يديه من العبث ، وإنما يفعل ذلك النكت المتفكر .

و (قوله : " أين يكون الناس يوم تبدل الأرض غير الأرض ") هذا يدل على أن معنى هذا التبديل : إزالة هذه الأرض ، والإتيان بأرض أخرى ، لا كما قاله كثير من الناس : أنها تبدل صفاتها وأحوالها فتسوى آكامها ، وتغير صفاتها ، وتمد مد الأديم ، ولو كان هذا لما أشكل كون الناس فيها عند تبديلها ، ولما جمعوا على الصراط حينئذ .

وقد دل على صحة الظاهر المتقدم حديث عائشة ; إذ سألت عن [ ص: 574 ] هذا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ؟ فقال مجيبا لها : " على الصراط " . والأرض المبدلة هي الأرض التي ذكرها في حديث سهل بن سعد حيث قال : " يحشر الناس على أرض بيضاء عفراء ، ليس فيها علم لأحد " ، وهذا الحشر هو جمعهم فيها بعد أن كانوا على الصراط ، والله أعلم .

وقال العكاظي : تمد الأرض مد الأديم ، ثم يزجر الله الخلق زجرة ، فإذا هم في الأرض الثانية ، في مثل مواضعهم من الأرض الأولى ، والله أعلم بكيفية ذلك .

والجسر - بفتح الجيم وكسرها - : ما يعبر عليه ، وهو الصراط هنا . و " دون " بمعنى فوق ، كما قال في حديث عائشة : " على الصراط " . و " التحفة " : ما يتحف به الإنسان من الفواكه والطرف ، محاسنة وملاطفة . و " زيادة الكبد " قطعة منه كالإصبع . و " النون " الحوت ، وقد جاء مفسرا في حديث أبي سعيد : قال اليهودي : ألا أخبرك بإدامهم ، قال : " بلى " . قال : إدامهم باللام ونون ، قالوا : ما هذا ؟ قال : " ثور ونون يأكل من زيادة كبدهما سبعون ألفا " . وفي " الصحاح " : النون : الحوت ، وجمعه : أنوان ، ونينان ، وذو النون : لقب يونس - عليه السلام - .

و (قوله : " فما غداؤهم ") بفتح الغين وبالدال المهملة ، وللسمرقندي : غذاؤهم بكسر الغين وبالذال المعجمة ، والأظهر أنه تصحيف .

[ ص: 575 ] و (قوله : " تسمى سلسبيلا ") أي : سلسة السبيل ، سهلة المشرع ، يقال : شراب سلسل ، وسلسال ، وسلسبيل . عن مجاهد وقيل عنه : شديد الجرية ، قال الشاعر :


... ... ... ... كأسا تصفق بالرحيق السلسل

وقال قتادة : عين تنبع من تحت العرش من جنة عدن إلى الجنان .

و (قوله : " لقد صدقت وإنك لنبي ") يدل على أن مجرد التصديق من غير التزام الشريعة ولا دخول فيها لا ينفع ; إذ لم يحكم له بالإسلام .

التالي السابق


الخدمات العلمية