المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم

أبو العباس القرطبي - ضياء الدين أحمد بن عمر القرطبي

صفحة جزء
5087 (17) باب

ذبح الموت وخلود أهل الجنة وأهل النار

[ 2765 ] عن أبي سعيد الخدري ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : يجاء بالموت . وفي رواية : إذا دخل أهل الجنة الجنة ، وأهل النار النار - يجاء بالموت يوم القيامة كأنه كبش أملح ، فيوقف بين الجنة والنار ، فيقال : يا أهل الجنة ، هل تعرفون من هذا ؟ فيشرئبون فينظرون ، فيقولون : نعم ، هذا الموت ، قال : ويقال : يا أهل النار هل تعرفون هذا ؟ قال : فيشرئبون وينظرون فيقولون : نعم ، هذا الموت . قال : فيؤمر به فيذبح ، قال : ثم يقال : يا أهل الجنة خلود فلا موت ويا أهل النار خلود فلا موت . ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم : وأنذرهم يوم الحسرة إذ قضي الأمر وهم في غفلة وهم لا يؤمنون [ مريم : 39 ] وأشار بيده إلى الدنيا .

رواه مسلم (2849) (40 و 41) .


[ ص: 190 ] (17) ومن باب : ذبح الموت

(قوله : " يجاء بالموت يوم القيامة كأنه كبش أملح ") قد تقدم الكلام على الأملح في الضحايا ، وأنه الذي فيه بياض وسواد ، والبياض أكثر ، كما قاله الكسائي . وقيل : يحتمل أن تكون الحكمة في كون هذا الكبش أملح لأن البياض من جهة الجنة ، والسواد من جهة النار . قلت : ظاهر هذا الحديث مستحيل ، وذلك أن العقلاء اتفقوا على : أن الموت : إما عرض مخصوص ، وإما نفي الحياة ، ولم يذهب أحد إلى أنه من قبيل الجواهر ، وأيضا : فإن المدرك من الموت والحياة إنما هما أمران متضادان متعاقبان على الجواهر ، كالحركة وكالسكون ، وقد دل على ذلك من جهة السمع قوله تعالى : خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا [ تبارك : 2 ] فهذا يبطل قول من قال من المعتزلة : إن الموت عدم الحياة ; لأن العدم لا يخلق ، ولا يوجب اختصاصا للجواهر . واستيفاء المباحث العقلية في علم الكلام ، وإذا تقرر ذلك استحال أن ينقلب الموت كبشا ; لأن ذلك انقلاب الحقائق وهو محال . وقد تأول الناس ذلك الخبر على وجهين :

أحدهما : أن الله تعالى خلق صورة كبش خلق فيها الموت ، فلما رآه أهل [ ص: 191 ] الجنة وأهل النار وعرفوه ، فعل الله فيه فعلا يشبه الذبح ، أعدمه عند ذلك الفعل حتى يأمنه أهل الجنة ، فيزدادوا سرورا إلى سرورهم ، وييأس منه أهل النار فيزدادوا حزنا إلى حزنهم ، وعلى هذا يدل باقي الحديث ، ولا إحالة في شيء من ذلك ولا بعد .

والوجه الثاني : أن المراد بالحديث تمثيل عدم الموت على جهة التشبيه والاستعارة ، ووجهه : أن الموت لما عدم في حق هؤلاء صار بمثابة الكبش الذي يذبح فينعدم ، فعبر عنه بذلك ، وهذا فيه بعد وتحميل للكلام على ما لا يصلح له ، والوجه المعني : الأول . والله أعلم .

ويشرئبون : يرفعون رؤوسهم ويتشوفون ليبصروا ما عرض عليهم .

و (قوله : وأنذرهم يوم الحسرة إذ قضي الأمر الآية [ مريم : 39 ] ، ومعنى أنذرهم : أعلمهم وحذرهم ، والنذارة : إعلام بالشر ، والبشارة : إعلام بالخير ، ويوم الحسرة : يعني به زمن ذبح الموت إذا سمعوا : خلود فلا موت . وقضي : بمعنى أحكم وتمم . والأمر : يعني به خلود أهل النار فيها .

و (قوله : وهم في غفلة وهم لا يؤمنون [ مريم : 39 ] استئناف خبر عما كانوا عليه في الدنيا ، لا تعلق له بما قبله ، يدل عليه قوله في الحديث : وأشار بيده إلى الدنيا ، يعني أنهم كانوا كذلك في الدنيا ، والله تعالى أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية