المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم

أبو العباس القرطبي - ضياء الدين أحمد بن عمر القرطبي

صفحة جزء
4970 (21) باب

لكل مسلم فداء من النار من الكفار

[ 2773 ] عن أبي بردة عن أبي موسى ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إذا كان يوم القيامة دفع الله إلى كل مسلم يهوديا أو نصرانيا فيقول : هذا فكاكك من النار .

وفي أخرى :
لا يموت رجل مسلم إلا أدخل الله مكانه النار يهوديا أو نصرانيا .


قال : فاستحلفه عمر بن عبد العزيز بالله الذي لا إله إلا هو - ثلاث مرات - أن أباه حدثه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم . قال : فحلف له .

رواه مسلم (2767) (49 و 50) .


[ ص: 200 ] و (قوله : " إذا كان يوم القيامة دفع الله إلى كل مسلم يهوديا ، أو نصرانيا ، فيقول : هذا فكاكك من النار ") يعني : مسلما مذنبا ، بدليل الرواية الأخيرة التي قال [ ص: 201 ] فيها : " يجيء يوم القيامة ناس من المسلمين بذنوب أمثال الجبال " . ومعنى كونه فكاكا للمسلم من النار ، وأن الله يغفر للمسلم ذنوبه ، ويضاعف للكافر العذاب بحسب جرائمه ; لأنه تعالى لا يؤاخذ أحدا بذنب أحد ، كما قال : ولا تزر وازرة وزر أخرى [ الإسراء : 15 ]

و (قوله في الرواية الأخرى : " فيغفرها لهم ") أي : يسقط المؤاخذة عنهم بها حتى كأنهم لم يذنبوا ، ومعنى قوله : " ويضعها على اليهود والنصارى أي : أنه يضاعف عليهم عذاب ذنوبهم حتى يكون عذابهم بقدر جرمهم ، وجرم مذنبي المسلمين لو أخذوا بذلك ، وله تعالى أن يضاعف لمن يشاء العذاب ، ويخففه عمن يشاء ، بحكم إرادته ومشيئته ; إذ لا يسأل عما يفعل وهم يسألون . ولما كان خلاص المؤمن من ذنوبه عندما يدفع له الكافر سمي بذلك فكاكا كما سمي تخليص الرهن من يد المرتهن : فكاكا .

وأما قوله في الرواية الأخرى : " لا يموت مسلم إلا أدخل الله مكانه النار يهوديا أو نصرانيا " ، فيعني بذلك - والله أعلم - أن المسلم المذنب لما كان يستحق [ ص: 202 ] مكانا من النار بسبب ذنوبه ، وعفا الله تعالى عنه ، وبقي مكانه خاليا منه ، أضاف الله ذلك المكان إلى يهودي أو نصراني ليعذب فيه ، زيادة على تعذيب مكانه الذي يستحقه بسبب كفره ، ويشهد لذلك قوله - صلى الله عليه وسلم - في حديث أنس للمؤمن الذي ثبت عند السؤال في القبر : " فيقال له : انظر إلى مقعدك من النار قد أبدلك الله به مقعدا من الجنة " ، وقد تقدم الكلام عليه ، وإنما احتاج علماؤنا لتأويل ألفاظ حديث أبي موسى المذكور في هذا الحديث لما عارضها من قوله تعالى : ولا تزر وازرة وزر أخرى [الإسراء : 15 ] ولقوله : وأن ليس للإنسان إلا ما سعى [ النجم : 39 ] ولقوله : وإن تدع مثقلة إلى حملها لا يحمل منه شيء ولو كان ذا قربى [ فاطر : 18 ] ولقوله تعالى : كل نفس بما كسبت رهينة [ المدثر : 38 ] ولقوله صلى الله عليه وسلم : " ألا لا يجني جان إلا على نفسه " ، ومثله كثير . وعلى الجملة فهي قاعدة معلومة من الشرع لا يختلف فيها .

التالي السابق


الخدمات العلمية