المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم

أبو العباس القرطبي - ضياء الدين أحمد بن عمر القرطبي

صفحة جزء
5149 [ 2790 ] وعن أبي زيد ، يعني عمرو بن أخطب قال : صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم الفجر ، وصعد المنبر ، فخطبنا حتى حضرت الظهر ، فنزل فصلى ، ثم صعد المنبر ، فخطبنا حتى حضر العصر ، ثم نزل فصلى ، ثم صعد المنبر فخطبنا حتى غربت الشمس ، فأخبرنا بما كان وبما هو كائن ، فأعلمنا أحفظنا .

رواه أحمد (5 \ 341) ، ومسلم (2892) .


[ ص: 220 ] (4 و 5) ومن باب : إخبار النبي صلى الله عليه وسلم بما يكون إلى قيام الساعة

(قول حذيفة - رضي الله عنه - : قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم مقاما ، ما ترك فيه شيئا يكون في مقامه ذلك إلى قيام الساعة إلا حدث به ) هذا المجرور الذي هو (في مقامه) يجوز أن يتعلق بترك ، والأليق أن يكون متعلقا بحدث ; لأن الظاهر من الكلام : أنه أراد أنه ما ترك شيئا يكون إلى قيام الساعة إلا حدث به في ذلك المقام ، وهذا المقام المذكور في هذا الحديث هو اليوم الذي أخبر عنه أبو زيد عمرو بن أخطب المذكور بعد ، وبالحري يتسع يوم للإخبار عما ذكره . على أنه قد روى الترمذي من حديث أبي سعيد الخدري قال : صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة العصر بنهار ، ثم قام خطيبا ، فلم يدع شيئا يكون إلى قيام الساعة إلا أخبرنا به ، حفظه من حفظه ، ونسيه من نسيه . فظاهر هذا أن هذا المقام كان من بعد العصر لا قبل ذلك . ويجوز أن يكون : كانت الخطبة من بعد صلاة الصبح إلى غروب [ ص: 221 ] الشمس ، كما في حديث أبي زيد . واقتصر أبو سعيد في الذكر على ما بعد العصر ، وفيه بعد ، وعلى كل تقدير فعمومات هذه الأحاديث يراد بها الخصوص ; إذ لا يمكن أن يحدث في يوم واحد ، بل ولا في أيام ، ولا في أعوام بجميع ما يحدث بعد النبي صلى الله عليه وسلم تفصيلا ، وإنما مقصود هذه العمومات الإخبار عن رؤوس الفتن والمحن ورؤسائها ، كما قال حذيفة بعد هذا حين قال : لكن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال وهو يحدث مجلسا أنا فيه عن الفتن ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يعد الفتن : " منهن ثلاث لا يكدن يذرن شيئا ، ومنهن كرياح الصيف ، منها صغار ومنها كبار " .

قلت : على أني أقول : إن النبي صلى الله عليه وسلم كأن الله تعالى قد أعلمه بتفاصيل ما يجري بعده لأهل بيته وأصحابه ، وبأعيان المنافقين ، وبتفاصيل ما يقع في أمته من كبار الفتن ، وصغارها ، وأعيان أصحابها وأسمائهم ، وأنه بث الكثير من ذلك عند من يصلح لذلك من أصحابه كحذيفة - رضي الله عنه - قال : ما ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم من قائد فتنة إلى أن تنقضي الدنيا يبلغ من معه ثلاثمائة فصاعدا ، إلا قد سماه لنا باسمه ، واسم أبيه ، وقبيلته . خرجه أبو داود ، وبهذا يعلم أن أصحابه كان عندهم من علم الكوائن الحادثة إلى يوم القيامة العلم الكثير والحظ الوافر ، لكن لم يشيعوها إذ ليست من أحاديث الأحكام ، وما كان فيها شيء من ذلك حدثوا به ، ونقضوا عن عهدته . ولحذيفة في هذا الباب زيادة مزية ، وخصوصية لم تكن لغيره منهم ; لأنه كان كثير السؤال عن هذا الباب ، كما دلت عليه أحاديثه ، وكما دل عليه [ ص: 222 ] اختصاص عمر له بالسؤال عن ذلك دون غيره . وأبو زيد المذكور في هذا الباب : هو عمرو بن أخطب - بالخاء المعجمة - الأنصاري ، من بني الحارث بن الخزرج . صحب النبي صلى الله عليه وسلم وقال : غزوت معه ست غزوات ، أو سبعا . وقد تقدم القول في حديث حذيفة في كتاب الإيمان .

التالي السابق


الخدمات العلمية