المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم

أبو العباس القرطبي - ضياء الدين أحمد بن عمر القرطبي

صفحة جزء
5157 (8) باب

لا تقوم الساعة حتى تفتح قسطنطينية ، وتكون ملحمة عظيمة ، ويخرج الدجال ويقتله عيسى ابن مريم .

[ 2801 ] عن أبي هريرة ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : لا تقوم الساعة حتى ينزل الروم بالأعماق - أو : بدابق - فيخرج إليهم جيش من المدينة من خيار أهل الأرض يومئذ ، فإذا تصافوا قالت الروم : خلوا بيننا وبين الذين سبوا منا نقاتلهم ، فيقول المسلمون : لا والله لا نخلي بينكم وبين إخواننا ، فيقاتلونهم ، فينهزم ثلث لا يتوب الله عليهم أبدا ، ويقتل ثلثهم أفضل الشهداء عند الله ، ويفتتح الثلث لا يفتنون أبدا ، فيفتتحون قسطنطينية ، فبينما هم يقتسمون الغنائم قد علقوا سيوفهم بالزيتون إذ صاح فيهم الشيطان : أن المسيح قد خلفكم في أهليكم ، فيخرجون ، وذلك باطل ، فإذا جاؤوا الشأم خرج ، فبينما هم يعدون للقتال يسوون الصفوف إذ أقيمت الصلاة ، فينزل عيسى ابن مريم عليه السلام ، فآمهم ، فإذا رآه عدو الله ذاب كما يذوب الملح في الماء ، فلو تركه لانذاب حتى يهلك ، ولكن يقتله الله بيده ، فيريهم دمه في حربته .

رواه مسلم (2897) .


[ ص: 231 ] و (قوله : " تنزل الروم بالأعماق ، أو بدابق ") الأعماق : جمع عمق - بضم العين وفتحها - : وهي ما بعد من أطراف المفاوز . قال رؤبة :


وقاتم الأعماق خاوي المخترق

ودابق : اسم بلد ، والأغلب عليه التذكير والصرف ; لأنه في الأصل نهر . قال الراجز :


بدابق وأين مني دابق

وقد يؤنث ولا يصرف ، وهو بفتح الباء . وكذا وجدته مقيدا مصححا في كتاب الشيخ ، ويقال بالكسر فيما أحسب .

و ( قول الروم : " خلوا بيننا وبين الذين سبوا منا ") الرواية الصحيحة بفتح السين والباء ; أي : الذين أصابوا منا سبيا ، وقد قيده بعضهم بضم السين والباء ، وليس بشيء ; لأن قول المسلمين في جوابهم : لا والله ما نخلي بينكم وبين إخواننا . يعنون : أنهم منهم في الأنساب والدين ، فلو أن الروم طلبوا من سبي منهم لما قالوا لهم ذلك مطلقا . والله تعالى أعلم .

[ ص: 232 ] و (قوله : " فينهزم ثلث لا يتوب الله عليهم أبدا ; لأنهم فروا من الزحف ، حيث لا يجوز لهم الفرار ، فلا يتوب الله عليهم ; أي : لا يلهمهم إياها ، ولا يعينهم عليها ، بل : يصرون على ذنبهم ذلك ولا يندمون عليه . ويجوز أن يكون معنى ذلك : أنه تعالى لا يقبل توبتهم وإن تابوا ، ويكونون هؤلاء ممن شاء الله ألا تقبل توبتهم لعظيم جرمهم .

و (قوله : " إن المسيح قد خلفكم في أهليكم ") كذا الرواية الجيدة مخففة اللام بغير ألف ، أي : بشر . يقال : خلفك الرجل في أهلك بخير أو بشر ، وقد تقدم قوله صلى الله عليه وسلم : " من خلف غازيا في أهله بخير فقد غزا " وقد رواه بعضهم : خالفكم ، والأول أجود ، لأن خالف يتعدى بـ (إلى) ، وخلف يتعدى بـ (في) ورد خالف إلى خلف يجوز . وقد تقدم القول في اسم المسيح في كتاب الإيمان ، وسيأتي الكلام في الدجال .

التالي السابق


الخدمات العلمية