المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم

أبو العباس القرطبي - ضياء الدين أحمد بن عمر القرطبي

صفحة جزء
5158 (9) باب

تقوم الساعة والروم أكثر الناس

وما يفتح للمسلمين مع ذلك

[ 2803 ] عن موسى بن علي عن أبيه قال : قال المستورد القرشي عند عمرو بن العاص : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : تقوم الساعة والروم أكثر الناس ، فقال له عمرو : أبصر ما تقول ، قال : أقول ما سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم . قال : لئن قلت ذلك إن فيهم لخصالا أربعا : إنهم لأحلم الناس عند فتنة ، وأسرعهم إفاقة بعد مصيبة ، وأوشكهم كرة بعد فرة ، وخيرهم لمسكين ويتيم وضعيف ، وخامسة حسنة جميلة : وأمنعهم من ظلم الملوك .

في رواية : وأجبر الناس عند مصيبة .

رواه مسلم (2898) (35 و 36) .


و (قوله : " تقوم الساعة والروم أكثر الناس ") هذا الحديث رواه مسلم من طريقين : أحدهما : لا تعقب فيه عليه ، والآخر : فيه تعقب . وهو الذي قال فيه : حدثني حرملة بن يحيى التجيبي ، حدثنا عبد الله بن وهب ، حدثني أبو شريح أن [ ص: 236 ] عبد الكريم بن الحارث حدثه أن المستورد القرشي قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ذلك . قال الدارقطني : عبد الكريم لم يدرك المستورد ، والحديث مرسل .

قلت : هذا الإسناد ذكره مسلم مردفا على الإسناد السليم الذي لا تعقب فيه ، وكأن مسلما تحقق ما قاله الدارقطني ، ولذلك أردفه على الإسناد الأول الذي هو عمدته وعلى شرطه . وهذا وغيره مما تقدم مثله يدل على أن القسم الثالث الذي ذكره مسلم في أول كتابه أدخله في مسنده ، والله أعلم .

وهذا الحديث قد صدقه الوجود ، فإنهم اليوم أكثر من في العالم غير يأجوج ومأجوج ; إذ قد عمروا من الشام إلى أقصى منقطع أرض الأندلس ، وقد اتسع دين النصارى اتساعا عظيما لم تتسعه أمة من الأمم ، وكل ذلك بقضاء الله تعالى وقدره . ووصف عبد الله بن عمرو لهم بما وصفهم به من تلك الأوصاف الجميلة ، إنما كانت غالبة على الروم الذين أدرك هو زمانهم ، وأما ما في الوجود منهم اليوم فهم أنجس الخليقة وأركسهم ، وهم موصوفون بنقيض تلك الأوصاف .

و (قوله : " وأجبر الناس عند مصيبة ") كذا رواية الجمهور ، وهو من جبرت العظم والرجل : إذا شددت مفاقره ، وقد فسر معنى هذه الرواية في الرواية الأخرى التي قال فيها : " وأسرعهم إفاقة بعد مصيبة " ووقع لبعضهم : " أصبر الناس " بدل : " أجبر الناس " . والأول أصح وأحسن .

التالي السابق


الخدمات العلمية