المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم

أبو العباس القرطبي - ضياء الدين أحمد بن عمر القرطبي

صفحة جزء
5164 (11) باب :

أمور تكون بين يدي الساعة

[ 2807 ] عن أبي هريرة ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : لا تقوم الساعة حتى تخرج نار من أرض الحجاز تضيء أعناق الإبل ببصرى .

رواه البخاري (7118) ، ومسلم (2902) .


[ (11) : باب : أمور تكون بين يدي الساعة ]

و (قوله : " تضيء أعناق الإبل ببصرى ") أي : تكشف بضوئها أعناق الإبل [ ص: 242 ] ببصرى ، وهي بالشام ، فيعني - والله تعالى أعلم - أن هذه النار الخارجة من قعر عدن تمر بأرض الحجاز مقبلة إلى الشام ، فإذا قاربت الشام أضاءت ما بينها وبين بصرى حتى ترى بسبب ضوئها أعناق الإبل ، ويقال : ضاوت النار وأضاءت ، لغتان . وبصرى - بضم الباء - هي مدينة من مدن الشام . قيل : هي حوران . وقيل : قيسارية .

و (قوله : " إن أول الآيات خروجا طلوع الشمس من مغربها ، وخروج الدابة على الناس ضحى ") يعني - والله أعلم - أول الآيات الكائنة في زمان ارتفاع التوبة والطبع على كل قلب بما فيه ; لأن ما قبل طلوع الشمس من مغربها التوبة فيه مقبولة ، وإيمان الكافر يصح فيه ، بدليل ما رواه أبو داود من حديث أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا تقوم الساعة حتى تطلع الشمس من مغربها ، فإذا طلعت ورآها الناس آمن من عليها ، فذلك حين لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرا " . ومعنى قوله : " إذا طلعت ورآها الناس آمن من عليها " أي : حصل لجميع من على الأرض التصديق الضروري بأمور القيامة الذي لا يكلف به ولا ينفع صاحبه ، لكون أمور الآخرة معاينة ، وإنما كان طلوع الشمس مخصوصا بذلك ; لأنه أول تغيير هذا العالم العلوي الذي لم يشاهد فيه تغيير منذ خلقه الله تعالى ، وإلى ذلك الوقت ، وأما ما قبله من الآيات فقد شوهد ما يقرب من نوعه ، فإذا كان ذلك وطبع على كل قلب بما فيه من كفر أو إيمان ، أخرج الله الدابة معرفة لما في بواطن الناس من إيمان أو كفر ، فتكلمهم بذلك . أي : تعرف المؤمن من الكافر بالكلام ، وتسم وجوه الفريقين بالنفح ، فينتقش وصفه في جبهته مؤمن أو كافر ، حتى يتعارف الناس بذلك ، فيقول المؤمن للكافر : بكم سلعتك [ ص: 243 ] يا كافر ؟ ويقول الكافر : بكذا يا مؤمن ، ثم يبقى الناس على ذلك ما شاء الله ، ثم يرسل الله ريحا باردة من قبل الشام ، فلا يبقى أحد على وجه الأرض في قلبه مثقال ذرة من إيمان إلا قبضته ، على ما جاء في حديث عبد الله بن عمرو الآتي بعد هذا ، وغيره . وقد تقدم في كتاب الإيمان حديث أبي هريرة الذي قال فيه : ثلاث إذا خرجن لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل ، أو كسبت في إيمانها خيرا : طلوع الشمس من مغربها ، ودابة الأرض ، وذكر من جملة الثلاث : الدجال . ويلزم عليه أن يرتفع التكليف بالإيمان وبالتوبة عند خروجه . والأحاديث الآتية في صفة الدجال تدل على خلاف ذلك على ما سنبينه ، فدل على أن ذكر الدجال مع الطلوع والدابة ، وهم من بعض الرواة ، والله تعالى أعلم .

وقد اختلفت الآثار والأقوال في أول الآيات المذكورة ، وما ذكرته أشبهها وأولاها ، إن شاء الله تعالى .

التالي السابق


الخدمات العلمية