المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم

أبو العباس القرطبي - ضياء الدين أحمد بن عمر القرطبي

صفحة جزء
5195 [ 2819 ] وعن أبي هريرة ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : يهلك أمتي هذا الحي من قريش ، قالوا : فما تأمرنا ؟ قال : لو أن الناس اعتزلوهم .

رواه أحمد (2 \ 301) ، والبخاري (3604) ، ومسلم (2917) .


و (قوله : " يهلك أمتي هذا الحي من قريش " ، وفي البخاري : " هلاك أمتي على يدي أغيلمة من قريش ") الحي : القبيل ، وأشار النبي صلى الله عليه وسلم إلى قبيل قريش ، وهو يريد بعضهم ، وهم الأغيلمة المذكورون في حديث البخاري ، كما أنه لم يرد بالأمة جميع أمته من أولها إلى آخرها ، بل ممن كان موجودا من أمته في ولاية أولئك الأغيلمة ، وكان الهلاك الحاصل من هؤلاء لأمته في ذلك العصر إنما سببه : أن هؤلاء الأغيلمة لصغر أسنانهم لم يتحنكوا ، ولا جربوا الأمور ، ولا لهم محافظة على أمور الدين ، وإنما تصرفهم على مقتضى غلبة الأهواء ، وحدة الشباب .

و (قوله : " لو أن الناس اعتزلوهم ") لو : معناها التمني ; أي : ليت الناس اعتزلوهم ، فيه دليل على إقرار أئمة الجور وترك الخروج عليهم ، والإعراض عن هنات ومفاسد تصدر عنهم ، وهذا ما أقاموا الصلاة ، ولم يصدر منهم كفر بواح عندنا من الله فيه برهان ، كما قدمناه في كتاب الإمامة .

وهؤلاء الأغيلمة كان أبو هريرة - رضي الله عنه - يعرف أسماءهم وأعيانهم ، ولذلك كان يقول : لو شئت قلت لكم : هم بنو فلان ، وبنو فلان ، لكنه سكت عن يقينهم مخافة ما يطرأ من ذلك من المفاسد ، وكأنهم - والله تعالى أعلم - [ ص: 255 ] يزيد بن معاوية ، وعبيد الله بن زياد ، ومن تنزل منزلتهم من أحداث ملوك بني أمية ، فقد صدر عنهم من قتل أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وسبيهم ، وقتل خيار المهاجرين والأنصار بالمدينة ، وبمكة وغيرها ، وغير خاف ما صدر عن الحجاج وسليمان بن عبد الملك ، وولده من سفك الدماء وإتلاف الأموال وإهلاك خيار الناس بالحجاز والعراق ، وغير ذلك .

وأغيلمة : تصغير غلمة ، على غير مكبره ; فكأنهم قالوا : أغلمة ولم يقولوه ، كما قالوا : أصيبية بتصغير صبية . وبعضهم يقول : غليمة على القياس ، وقد تقدم القول في الغلام ، وأن أصله فيمن لم يحتلم ، ثم قد يتوسع فيه ، ويقال على الحديث السن - وإن كان قد احتلم - وعلى هذا جاء في هذا الحديث .

التالي السابق


الخدمات العلمية