المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم

أبو العباس القرطبي - ضياء الدين أحمد بن عمر القرطبي

صفحة جزء
5233 (17) باب كيف يكون انقراض هذا الخلق وتقريب الساعة وكم بين النفختين

[ 2836 ] عن عبد الله بن عمرو ، وجاءه رجل فقال : ما هذا الحديث الذي تحدث به ؟ تقول : إن الساعة تقوم إلى كذا وكذا ؟ فقال : سبحان الله - أو : لا إله إلا الله ، أو كلمة نحوهما - لقد هممت أن لا أحدث أحدا شيئا أبدا ، إنما قلت : إنكم سترون بعد قليل أمرا عظيما ، يحرق البيت ويكون ويكون . . . ثم قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : يخرج الدجال في أمتي ، فيمكث أربعين ، لا أدري أربعين يوما أو أربعين شهرا أو أربعين عاما ، فيبعث الله عيسى ابن مريم ، كأنه عروة بن مسعود فيطلبه فيهلكه ، ثم يمكث الناس سبع سنين ، ليس بين اثنين عداوة ، ثم يرسل الله ريحا باردة من قبل الشام ، فلا يبقى على وجه الأرض أحد في قلبه مثقال ذرة من خير أو إيمان إلا قبضته ، حتى لو أن أحدكم دخل في كبد جبل لدخلته عليه حتى تقبضه . قال : سمعتها من رسول الله صلى الله عليه وسلم . قال : فيبقى شرار الناس في خفة الطير وأحلام السباع ، لا يعرفون معروفا ولا ينكرون منكرا ، فيتمثل لهم الشيطان فيقول : ألا تستجيبون ؟ فيقولون : فما تأمرنا ؟ فيأمرهم بعبادة الأوثان وهم في ذلك دار رزقهم حسن عيشهم ، ثم ينفخ في الصور فلا يسمعه أحد إلا أصغى ليتا ورفع ليتا ، قال : وأول من يسمعه رجل يلوط حوض إبله قال : فيصعق ويصعق الناس ، ثم يرسل الله - أو قال : ينزل الله - مطرا كأنه الطل ، أو : الظل - نعمان الشاك - فتنبت منه أجساد الناس ، ثم ينفخ فيه أخرى ، فإذا هم قيام ينظرون ، ثم يقال : يا أيها الناس هلم إلى ربكم ، وقفوهم إنهم مسئولون قال : ثم يقال : أخرجوا بعث النار ، فيقال : من كم ؟ فيقال : من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعين . قال : فذاك يوم يجعل الولدان شيبا وذلك يوم يكشف عن ساق

رواه أحمد (2 \ 166) ، ومسلم (2940) (116) ، والنسائي في الكبرى (11629) .


(17) ومن باب : كيف يكون انقراض هذا الخلق

(قوله : لقد هممت ألا أحدث أحدا شيئا أبدا ) إنما قال ذلك لأنهم نسبوا إليه ما لم يقل ، فشق ذلك عليه ، ثم إنه لما علم أنه لا يجوز له ذلك ، ذكر ما عنده من علم ذلك .

و (قوله : يحرق البيت ) قد كان ذلك في عهد ابن الزبير ، وذلك أن يزيد بن معاوية وجه من الشام مسلم بن عقبة المدني ، في جيش عظيم لقتال ابن الزبير ، فنزل بالمدينة ، وقاتل أهلها وهزمهم ، وأباحها ثلاثة أيام ، وهي وقعة الحرة ، وقد قدمنا ذكرها ، ثم سار يريد مكة ، فمات بقديد ، وولي الجيش الحصين بن نمير ، وسار إلى [ ص: 302 ] مكة فحاصر ابن الزبير ، وأحرقت الكعبة حتى انهدم جدارها وسقط سقفها ، وجاء الخبر بموت يزيد فرجعوا .

و (قوله : " فيمكث أربعين " لا أدري أربعين يوما ، أو شهرا ، أو سنة ) هذا الشك من عبد الله بن عمرو ، وقد ارتفع بالأخبار السابقة أنه أربعون يوما على التفصيل المتقدم .

و (قوله : " لو أن أحدكم دخل في كبد جبل ") كذا صحيح الرواية ، ووقع في بعض النسخ : " كبد رجل " ، وهو مثل قصد به الإغياء ، وكبد الشيء : داخله .

و (قوله : " ويبقى شرار الناس ، في خفة الطير ، وأحلام السباع ") أي : هم في مسارعتهم ، وخفتهم إلى الشرور وقضاء الشهوات وغلبة الأهواء ، كالطير لخفة طيرانه ، وهم في الإفساد والعدوان كالسباع العادية . والصور : قرن ينفخ فيه ، كما جاء في الحديث . وأصغى : أمال ، والليت : صفحة العنق ، وهو جانبه .

[ ص: 303 ] و (قوله : " كأنه الطل ، أو الظل ") هذا شك ، والأصح أنه الطل بالطاء المهملة ، لقوله في حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - : " ثم ينزل من السماء ماء " ، وفي حديث آخر : " كمني الرجال " . وهلموا ; أي : تعالوا وأقبلوا ، وقد تقدم أن فيها لغتين ، وقد روي هنا بالوجهين : هلموا ، وهلم .

و (قوله : " ثم يقال أخرجوا بعث النار ") قد تقدم في الإيمان أن الذي يقال له ذلك : آدم - عليه السلام - والجمع بينهما بأن المأمور أولا آدم ، وهو يأمر الملائكة بالإخراج ، ومعنى الإخراج هنا بتمييز بعضهم من بعض ، وإلحاق كل طائفة بما أعد لها من الجنة أو النار .

و (قوله : " فذلك يوم يجعل الولدان شيبا ") الولدان : جمع وليد ، وهو الصغير . يقال عليه من حين الولادة إلى أن يرجع جفرا . وشيبا : جمع أشيب ; أي : يصير الصغير أشيب لشدة أهوال ذلك اليوم . وقيل : هذا على التهويل والتمثيل ، كما قال أبو تمام :


خطوب تشيب رأس الوليد

و (قوله : " وذلك يوم يكشف عن ساق ") معناه ومعنى ما في كتاب الله تعالى [ ص: 304 ] من ذلك واحد ، وهو عبارة عن شدة الحال وصعوبة الأمر . قاله ابن عباس في الآية . يقال : كشفت الحرب عن ساقها . قال الشاعر :


قد حلت الحرب بكم فجدوا     وكشفت عن ساقها فشدوا

وقال آخر :


كشفت لكم عن ساقها     وبدا من الشر الصراح

وأصله : أن المجد في الأمر يشد إزاره ، ويرفعه عن ساقه . قال قتادة : يقال للواقع في أمر عظيم يحتاج إلى الجد : قد كشف ساقه . قال الشاعر :


في سنة قد كشفت عن ساقها     حمراء تبري اللحم عن عراقها

قلت : وهذا المعنى بين في هذا الحديث فتأمل مساقه ، وعليه تحمل الآية ، ولا يلتفت إلى غير ذلك مما قيل فيها .

التالي السابق


الخدمات العلمية