المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم

أبو العباس القرطبي - ضياء الدين أحمد بن عمر القرطبي

صفحة جزء
483 [ 252 ] وعن ميمونة ; أنها كانت تغتسل هي والنبي - صلى الله عليه وسلم - في إناء واحد . ومثله عن أم سلمة .

رواه البخاري ( 253 ) ، ومسلم ( 322 ) ، والترمذي ( 62 ) ، والنسائي ( 1 \ 129 ) .


و (قول عائشة : " إنها كانت تغتسل هي والنبي - صلى الله عليه وسلم - من إناء واحد يسع ثلاثة أمداد ") تعني : مفترقين ، أو سمت الصاع : مدا ، كما قالت في الفرق الذي كان يسع ثلاثة آصع ، وكأنها قصدت بذلك التقريب ، ولذلك قال فيه : " أو قريبا من [ ص: 583 ] ذلك " ، وإنما احتجنا إلى هذا التأويل لأنه لا يتأتى أن يغتسل اثنان من ثلاثة أمداد لقلتها ، والله أعلم .

وهذا يدل على استحباب التقليل مع الإسباغ ، وهو مذهب كافة أهل العلم والسنة ، خلافا للإباضية والخوارج . واتفق العلماء على جواز اغتسال الرجل وحليلته ووضوئهما معا من إناء واحد ، إلا شيئا روي في كراهية ذلك عن أبي هريرة ، وحديث ابن عمر وعائشة وغيرهما يرده ، وإنما الاختلاف في وضوئه أو غسله من فضلها ، فجمهور السلف وأئمة الفتوى على جوازه ، وروي عن ابن المسيب والحسن : كراهة فضل وضوئها ، وكره أحمد فضل وضوئها وغسلها . وشرط ابن عمر : إذا كانت حائضا أو جنبا . وذهب الأوزاعي إلى جواز تطهر كل واحد منهما بفضل صاحبه ما لم يكن أحدهم جنبا ، أو المرأة حائضا .

وسبب هذا الاختلاف : اختلافهم في تصحيح أحاديث النهي الواردة في ذلك ، ومن صححها اختلفوا أيضا في الأرجح منها ، أو مما يعارضها ، كحديث ميمونة أنه - عليه الصلاة والسلام - : " كان يغتسل بفضلها " ، وكحديث ابن عباس الذي خرجه الترمذي وصححه ، قال فيه : اغتسل بعض أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - في جفنة ، فأراد [ ص: 584 ] النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يتوضأ منه فقالت : إني كنت جنبا ، فقال : " إن الماء لا يجنب " .

ولا شك في أن هذه الأحاديث أصح وأشهر عند المحدثين ، فيكون العمل بها أولى ، وأيضا فقد اتفقوا على جواز غسلهما معا ، مع أن كل واحد منهما يغتسل بما يفضله صاحبه عن غرفه .

التالي السابق


الخدمات العلمية