المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم

أبو العباس القرطبي - ضياء الدين أحمد بن عمر القرطبي

صفحة جزء
5339 [ 2860 ] وعنها في قوله تعالى : ومن كان فقيرا فليأكل بالمعروف [ النساء : 6 ] قالت : أنزلت في والي اليتيم الذي يقوم عليه ويصلحه ، إذا كان محتاجا أن يأكل منه .

في أخرى : بقدر ماله بالمعروف .

رواه البخاري (4575) ، ومسلم (3019) (10 و 11) .


و ( قول عائشة في قوله تعالى : ومن كان غنيا فليستعفف ومن كان فقيرا فليأكل بالمعروف [ النساء : 6 ] أنزلت في والي اليتيم ) ، فعلى هذا : المراد بها أولياء الأيتام ، وهو قول الجمهور . وقال بعضهم : المراد به اليتيم ; إن كان غنيا وسع عليه وأعف من ماله ، وإن كان فقيرا أنفق عليه بقدره ، وهذا في غاية البعد ; لأن اليتيم لا يخاطب بالتصرف في ماله لصغره ولسفهه ، ولأنه إنما يأكل من ماله بالمعروف على الحالين ، فيضيع التنويع والتقسيم المذكور في الآية ، وعلى قول الجمهور فالولي الغني لا يأخذ من مال يتيمه شيئا ولا يستحق على قيامه عليه أجرا دنيويا ; بل ثوابا أخرويا . وأما الفقير فاختلف فيه هل يأخذ من مال يتيمه شيئا أم لا ؟ فذهب زيد بن أسلم إلى أنه لا يأخذ منه شيئا وإن كان فقيرا ، وحكي ذلك عن ابن عباس بناء على أن هذه الآية منسوخة بقوله تعالى : إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما الآية [ النساء : 10 ] ، وقيل : بقوله ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل [ البقرة : 188 ]

قلت : وهذا لا يصح النسخ فيه لعدم شرطه ; إذ الجمع ممكن ، إذ الأخذ الذي أباحه الله تعالى ليس ظلما ولا أكل مال بالباطل فلم تتناوله الآيتان ، وهذا هو القول بالموجب . وذهب جمهور المجوزين إلى إباحة الأخذ ، لكنهم اختلفوا [ ص: 332 ] في القدر المأخوذ وفي قضاء المأخوذ وفي وجه الأخذ ; فروي عن عمر - رضي الله عنه - أنه قال : إن أكلت قضيت . وبه قال عبيدة السلماني وأبو العالية ، وهو أحد قولي ابن عباس وعكرمة ، وقال من عدا هؤلاء : إن له الأخذ ولا قضاء عليه ، لكنهم اختلفوا في وجه الأخذ ، فذهب عطاء إلى أنه يأخذ بقدر الحاجة ، وقال الضحاك : يضارب بماله ويأكل من ربحه . الحسن : يسد الجوعة ويستر العورة . الشعبي : من التمر واللبن . وقد روي هذا عن ابن عباس - رضي الله عنهما - فقال : يأكل ويشرب ويركب الظهر غير مضر بنسل ولا ناهك في الحلب . قال القاضي أبو بكر بن العربي : وعليه مذهب مالك .

قلت : والصحيح من هذه الأقوال - إن شاء الله - أن مال اليتيم إن كان كثيرا يحتاج إلى كثير قيام عليه بحيث يشغل الولي عن حاجاته ومهماته فرض له فيه أجرة عمله ، وإن كان قليلا مما لا يشغله عن حاجاته فلا يأكل منه شيئا ، غير أنه يستحب له شرب قليل اللبن وأكل القليل من الطعام والتمر غير مضر به ولا مستكثر له ، بل ما جرت به العادة بالمسامحة فيه . وما ذكرته من الأجرة ونيل القليل من الثمر واللبن كل واحد منهما معروف ، فصلح حمل الآية على ذلك ، والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية