المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم

أبو العباس القرطبي - ضياء الدين أحمد بن عمر القرطبي

صفحة جزء
4997 (6) ومن سورة الأنعام

[ 2871 ] عن أبي هريرة قال : أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بيدي فقال : خلق الله التربة يوم السبت ، وخلق فيها الجبال يوم الأحد ، وخلق الشجر يوم الاثنين ، وخلق المكروه يوم الثلاثاء ، وخلق النور يوم الأربعاء ، وبث فيها الدواب يوم الخميس ، وخلق آدم عليه السلام بعد العصر من يوم الجمعة في آخر الخلق في آخر ساعة من ساعات الجمعة فيما بين العصر إلى الليل .

رواه أحمد (2 \ 327) ، ومسلم (2789) .


[ ص: 342 ] (6) ومن سورة الأنعام

( قول أبي هريرة رضي الله عنه " أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بيدي فقال : " خلق الله التربة يوم السبت . . . ") الحديث - ذكر هذا الحديث هنا لأنه مفصل لما أجمله قوله تعالى : الحمد لله الذي خلق السماوات والأرض وجعل الظلمات والنور [ الأنعام : 1 ] والتربة : التراب - أي : الأرض ، وكأنه خلق التراب يوم السبت غير منعقد ولا متجمد ، ثم يوم الأحد جمده وجعل منه الجبال أرسى بها الأرض ، وكمل خلق الأرض بجبالها في يومين .

و (قوله " وخلق الأشجار يوم الاثنين ، وخلق المكروه يوم الثلاثاء ") ; أي : ما يكره مما يهلك أو يؤلم كالسموم والخشاش والحيوانات المضرة ، وقد ذكر هذا الحديث ثابث في كتابه ، وقال فيه " وخلق التقن يوم الثلاثاء " بدل " المكروه " ، قال : والتقن ما يقوم به المعاش ويصلح به التدبير كالحديد وغيره من [ ص: 343 ] جواهر الأرض ، وكل شيء يحصل به صلاح فهو تقن ، ومنه إتقان الشيء وإحكامه .

و (قوله " والنور يوم الأربعاء ") ، كذا الرواية الصحيحة المشهورة ، وقد وقع في بعض نسخ مسلم " النون " بالنون - يعني به الحوت ، وكذا جاء في كتاب ثابت في الأم ، وفي رواية أخرى " البحور " مكان " النور " .

قلت : وهذه الرواية ليست بشيء ; لأن الأرض خلقت بعد الماء وعلى الماء ، كما قال تعالى : وهو الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام وكان عرشه على الماء [ هود : 7 ] ; أي : قبل خلق السماوات والأرض . إلا إن أراد بالبحور الأنهار التي خلق الله تعالى في الأرض فله وجه ، والصحيح رواية النور ، ويعني به الأجسام النيرة كالشمس والقمر والكواكب ، ويتضمن هذا أنه تعالى خلق السماوات يوم الأربعاء ; لأن هذه الكواكب في السماوات ، ونورها : ضوؤها الذي بين السماء والأرض ، والله تعالى أعلم .

وتحقيق هذا أنه لم يذكر في هذا الحديث نصا على خلق السماوات ، مع أنه ذكر فيه أيام الأسبوع كلها ، وذكر ما خلق الله تعالى فيها ، فلو خلق السماوات في يوم زائد على أيام الأسبوع لكان خلق السماوات والأرض في ثمانية أيام ، وذلك خلاف المنصوص عليه في القرآن ، ولا صائر إليه . وقد روي هذا الحديث في غير كتاب مسلم بروايات مختلفة مضطربة ، وفي بعضها أنه خلق الأرض يوم الأحد والاثنين ، والجبال يوم الثلاثاء ، والشجر والأنهار والعمران يوم الأربعاء ، والسماوات والشمس والقمر والنجوم والملائكة يوم الخميس ، وآدم يوم الجمعة . فهذه أخبار آحاد مضطربة فيما لا يقتضي عملا ، فلا يعتمد على ما تضمنته من ترتيب المخلوقات في تلك الأيام ، والذي يعتمد عليه في ذلك قوله تعالى : قل أإنكم لتكفرون بالذي خلق الأرض في يومين [ ص: 344 ] . . . الآيات [ فصلت : 9 ] ، فلينظر فيها من أراد تحقيق ذلك ، وفيها أبحاث طويلة ليس هذا موضع ذكرها .

التالي السابق


الخدمات العلمية